عصر الانتقال الطاقوي، هل يجبر العالم على تغيير نُظم الحكم اللاعقلانية.

د. سميرة مبيض

07/06/2021

تجري اليوم مفاوضات عالمية، منها المعلنة ومنها الغير معلنة تمهيداً لانتقال الإنسانية التدريجي من عهد الوقود الاحفوري لعهد الطاقات النظيفة، هذا الانتقال الذي يغير من منظور توزع القوى العالمي ويغير من منظور التعامل مع الأنظمة السياسية وما لذلك من توابع على أوضاع الشعوب ففي حين تطلب عصر النفط خلق منظومات قائمة على احتكار الموارد بما يتطلبه ذلك من فساد وقمع وتزييف سيتطلب عصر الطاقات النظيفة حكومات عاقلة تحسن استخدام كمون الطاقة الجديدة، فما الذي ننتظره من مصطلح حكومة عاقلة أو رشيدة؟

لا بد بداية من الحديث عن حكومات لا أيديولوجية، لان التيارات الأيديولوجية تتبنى عموماً مفاهيم الغاء الآخر بجميع الوسائل بما يتضمن الشروع بالحروب والمجازر والقتل الممنهج وذلك يعني وجود إمكانية لاستخدام غير سلمي لأي موارد طاقة أو تحويرها لأسلحة دمار شامل لاستخدامها بين المتصارعين ايديولوجياً وذلك لا يعتبر خطراً على شعوب تقع تحت نير مثل هذه الحكومات وحسب بل خطر عالمي يهدد أمن البشرية بمجملها.

وهنا يفرض توازن الرعب نقيضاً له ضمن مرحلة الانتقال الطاقوي وهو توازن حفظ الأمن، من وما هي الحكومات القادرة على حفظ أمن الشعوب وأمن الإنسانية، ستسقط مباشرة من هذه المعادلة الحكومات المتشددة من أقطاب دينية أو سياسية أو عسكرية وهي ما سادت في المرحلة السابقة، فعلى سبيل المثال امتلاك نظام مثل نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحالي لمثل هذه الإمكانيات يعني تهديداً مباشراً لمجمل بلدان الشرق الأوسط بالفناء بحكم أنه نظام قائم على حالة عقائدية تتيح القتل وتبيح استخدام السلاح للمختلف، كذلك يعتبر تهديداً للعالم بحكم أن استخدام مثل هذه الأسلحة لاينحد أثرها الضار بأي حدود جغرافية.

كذلك هو حال الحكومات المتشددة قومياً، من أي قومية أو حكومات اليسار الراديكالي الساعية لفرض هوية شمولية، أو حكومات اليمين المتطرف القائمة على أي عنصرية من أي نوع كانت. جميعها توجهات غير مؤاتية لامتلاك أي موارد تسيء استخدامها في التسليح والاخلال بالأمن المحلي والعالمي. لا حكومات راديكالية، عسكرية ولا ايديولجية في مستقبل الإنسانية اذاً، حفاظاً على أمن البشرية بأكملها انما الدور للشعوب السلمية، المدنية، النابذة للصراع والمتبنية للسلم والبناء المعرفي الإنساني المشترك.

لكننا هنا نرى بروز عامل خلل آخر هو ضعف المؤسسات الدولية المعنية بحفظ الامن العالمي والتي لم تستطع عبر عقود طويلة منذ تأسيسها وقف أي من الحروب القائمة أو معالجة آثارها بشكل عادل أو فرض تطبيق قوانين دولية لحماية المدنيين أو حماية النساء أو الأطفال من تغول منظومات قائمة على الهمجية أو تامين حلول مستقرة للاجئين، في حين تتحضر البشرية اليوم لما يزيد عن مليون لاجئ مناخي ان لم يتم وقف التسارع بارتفاع درجات الحرارة، وتتحضر البشرية لسيرورة طويلة الأمد لمواكبة جائحة الكوفيد 19 الذي يتطلب متابعة صحية مستمرة للأفراد تعتمد بشكل كبير على التقانات الرقمية لرصد ظهور الفيروس المتحور والحد من انتشاره وإيجاد لقاحات له، أي انها ستحتاج لأضعاف مضاعفة من الموارد لضمان الامن الصحي في كل منطقة ورغم ان ذلك سيؤدي بشكل إيجابي لاضمحلال الموارد المتاحة للسلاح ولتغذية الأيديولوجيات المتعددة والتي لم تقدم للبشرية الا الدمار لكنه في الحين ذاته يطرح تحديات في تمكين النظم القادرة على بناء واستدامة معايير السلام.

 

بالعودة لسوريا اليوم وفي ظل هذه التغييرات العالمية وامتدادها بتغييرات في الشرق الأوسط، تمنح المعرفة سراجاً وبوصلة للتأسيس لدول الحداثة المواكبة للعصر الجديد وهذا ما نجحت دول عديدة بالوصول اليه، فهل يكون السوريون على قدر هذا المسار الصاعد أم ستتوزع أشلاء بلادهم على قوى متمكنة معرفياً وقادرة على خلق مستقبل مختلف، ربما تكون امكانية الإجابة على هذه التحديات مبكرة اليوم فالشعب السوري في طور استقبال التنوير وبقدر ما تزداد نسبة الساعين لبناء المستقبل السوي لسوريا ارتفاعاً تزداد معها إمكانية نجاة الشعب السوري وقدرته على الاستجابة على التحديات القادمة، مما يجعل من مسؤولية كل انسان سوري اليوم هائلة بنبذ كل ما يقيد مسارنا من ترسبات الماضي وكل ما يقيد مواردنا من توجهات التسليح والتجنيد والتشدد والتي لا تلزم الا لحماية منظومات قمعية لن تفيد بالخبز والدواء والعلم بأي أمر. كي تكون سوريا ضمن التغيير وصانعة له كما كانت شعوب حضاراتها دوماً جزءاً من تطور البشرية وداعم قوي له لتقديم ما هو في خير الانسان وسلامة الأجيال القادمة، بذلك تكون البوصلة سليمة وليس في أي توجهات أخرى.