التموضع الجغرافي، البيئي والصحي لصندوق الانتخابات في فرنسا

د. سميرة مبيض

16/04/2022

دون مفاجآت تُذكر، تأتي الدورة الانتخابية الثانية للرئاسة في فرنسا

بين الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون مرشح حزب الجمهورية إلى الأمام ومارين لوبين عن حزب التجمع الوطني ورغم أنه نموذج مكرر عن عام ٢٠١٧ لكن الأحداث بين التاريخين تكفي لتأريخ عصر بأكمله على الأخص بما يتعلق بالاصطفاف الجغرافي، بجائحة الكورونا، والتغييرات المناخية وهي أمور مترابطة على أي حال وتشكل نقاط تحت المجهر بين الأحزاب المُتنافسة وهي اليوم تحت المجهر للمقارنة بين المُرشحين النهائيين.

الجائحة الوبائية:

تُثير مواقف مارين لوبين التوجس فيما يتعلق بالجائحة الوبائية ويمكن اختصار مواقفها بمثال واحد يدل على عدم إدراك خطورة التهاون في هذا السياق. فقد وعدت، خلال حملتها الانتخابية، بإعادة موظفين الصحة الذي رفضوا الحصول على التلقيح الى وظائفهم بعد أن تم تجميدها نتيجة رفضهم للقاح، مُعرضة بذلك حياة عدد كبير من المرضى للخطر المُباشر، مع العلم ان المرضى هم من أكثر الفئات هشاشة وتعرضاً للإصابة بالمرض وتداعياته، ورغم أن نسبة موظفين الصحة المعنيين بهذا المثال هي نسبة غير كبيرة لكنها تُظهر موقفاً يتعمد اهمال مصلحة الفئات الهشة، وهم المرضى هنا وقد يكونوا أي فئة أخرى في سياق مختلف، ويبدو هذا الموقف مُتناغماً مع مواقف الحزب عامة تجاه عموم الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
بالمُقابل فان الحكومة الحالية برئاسة ماكرون لم تكن هي أيضاً على قدر الالتزام الكافي بما يتعلق باللقاح، فقد كان صادماً ألا يكون اللقاح اجبارياً للموظفين في المؤسسات التعليمية كالمدارس وما يُلحق بها من النشاطات الرديفة أي أن شخص ناقل للكوفيد ١٩ أو مصاب به قد يتواجد ضمن الصفوف المكتظة بالطلاب أو يقوم بنشاط مع عدد كبير من الأطفال وينقل الفيروس لهم في حال كان حاملاً له، ويزداد الأمر سوءاً بعد ايقاف إجراءات الوقاية من الكوفيد ١٩ في المدارس. يُظهر هذا الموقف للحكومة الحالية عدم ايلاء الاهتمام الكافي بحماية الأطفال وترجيح المكتسب السياسي، وهو تخفيف حدة المواجهة السياسية مع الممانعين للقاح، ترجيحه على الحزم الذي يعطي الأولوية لصحة الطلاب والأطفال أي فئة الغير قادرين على حماية أنفسهم بشكل خاص.

القضايا البيئية:

يتوجه الرئيس الفرنسي اليوم بباقة وعود بيئية لا يمكن اعتبارها جذرية ولا يمكنها تحقيق التزامات فرنسا بخفض الانبعاثات، فلا يُمكننا التغافل أن الرئيس ماكرون ينطلق من النهج الاقتصادي في منظوره الأساسي لإدارة الدولة. ولم يكن موقفه من القضايا البيئية مُلتزماً بوعوده ما قبل الانتخابات الماضية، ففي حين حركت جملته لنعيد كوكب أرض عظيماً مرة أُخرى، بعض الأمل لدى المهتمين بالشأن البيئي وكان قد أوردها في معرض رده على مقولة لنعيد اميركا عظيمة مرة أُخرى لدونالد ترامب الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأميركية، لكن تبين ان هذه المقولة لم تتعدى موقع الشعار الانتخابي. عملياً غاب أي تقدم في هذا السياق على الأخص بما يتعلق بالقضايا المناخية، كما أن رفع ضرائب الوقود كان المُحرك الأكبر لاحتجاجات السترات الصفراء بكونه اجراء لم يترافق بحلول بديلة او تعويضية مناسبة لما سيتسبب به من كلفة معيشية للمتضررين.

من جهة المرشحة مارين لوبين فمواقفها تجاه القضايا البيئية غير موجودة أساساً بوجود أجندة رخوة تجاه خطط خفض انبعاثات الكربون، كما أنها تدعم استمرارية استخدام المبيدات الكيماوية، وتناهض تطوير الطاقة الشمسية والهوائية.. الخ

الاصطفاف الجغرافي:
أصبح هذا العامل مُرتبطاً بالاصطفاف العسكري اليوم، بعد أن تحولت الاستقطابات السياسية الى تصعيدات أكثر حدة ولم تعد تحت انقسام أيديولوجي وحسب، كما أن موقف المُرشحين من هذا الاصطفاف في قطبين متصارعين بين أوروبا وروسيا يحمل في طيات كل منهما امتدادات اقتصادية متعلقة بالطاقة وبشركات تصنيع السلاح وجميعها ترمي بالقضايا البيئية وقضايا الامن الصحي على قارعة الطريق ويختصر ذلك كامل السياسات المتوقعة في هذا السياق.

ظرف فارغ:

يذم البعض بالتصويت الأبيض، أي بوضع الظرف فارغاً في صندوق الانتخابات أو بوضع ورقة بيضاء ضمنه، اعتقاداً منهم انه موقف سلبي وبحكم أنه لغاية الآن لا يُحسب كعدد أصوات للمنتخبين رغم أنه تجاوز نسبة 10 بالمئة من الشعب الفرنسي عام 2017 وفق موقع

Public Senat 

https://www.publicsenat.fr/article/politique/un-nombre-de-bulletins-blancs-et-nuls-sans-precedent-pour-une-presidentielle-60195

وهو يُعتبر الموقف الوحيد الذي لا يخضع عبره الصوت لحالة الاصطفاف القسري وما ينجم عنها من مسؤوليات جسيمة ويعبر عن التمسك بحرية الاختيار وعن إطلاق جرس انذار عنوانه الحرص على المستقبل.