الرئيس بايدن ينتقل من مطلب السوريين بتغيير نظام الأسد الى محاربة الاتجار بالمخدرات.

د. سميرة مبيّض

٢٧ ديسمبر، كانون الأول ٢٠٢٢

في خطوة حديثة نسبياً ضمن استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية في التعاطي مع نظام الأسد، تم الإعلان والترويج لما عُرف بقانون مكافحة الإنتاج والاتجار والترويج للمواد المخدرة المُرتبطة بنظام الأسد. 

 

على اعتبار أن هذه الشبكات تُشكل خطراً عابراً للحدود وهي اعتبارات صحيحة من قبل الإدارة الأميركية، حيث يعلم القاصي والداني أن عموم شبكة الاتجار بالممنوعات على اختلاف مسمياتها والتي تشكل جزءاً لا يُستهان به من سوق المال العالمية اليوم تضر بالدرجة الأولى بالبلدان التي تنتجها ومن ثم بالبلدان التي تسوق ضمنها، وهي عموماً تُنتج بالبلدان الفقيرة التي تحكمها نظم شمولية والتي تمر بأزمات وصراعات اقتصادية واجتماعية عديدة بسبب هذه النظم، وتشكل هذه السوق مصدر دخلٍ خطرٍ وغير مستقر لطبقة واسعة من شعوب هذه البلدان مُشكّلة تهديداً اضافياً على حياة وعلى استقرار أبناء هذه الدول الذين حُرموا من مساواة الفرص ومن الاستقرار التعليمي والاقتصادي في بلدانهم، إضافة الى مخاطرها الصحية والتي تتناولها مقالات ودراسات عديدة لا تدخل في هدف هذا المقال بل وجب التنويه لها في السياق.

 

لكن واقع هذا التعاطي المطروح من قبل الإدارة الأميريكة مع نظام الأسد اليوم يطرح تساؤلاً مشروعاً عن تراجع الحديث عن التغيير الجذري المطلوب في هذه المنظومة، فالانتقال من مطلب المُحاسبة على انتهاكات إنسانية جسيمة، ومحاربة اقتناء واستخدام الأسلحة المُحرمة دولياً، ومن المُحاسبة على مجازر جماعية مُريعة، ومن الكشف عن جرائم الحرب، ومن لائحة لا تعد ولا تحصى من المُسببات التي تقصم ظهر أي منظومة قسرية الى محاربة انتاج ونشر الممنوعات هو انتقال غير موضوعي ويتطلب رداً موضوعياً من صفوف السوريين المُطالبين بالتغيير، قبل أن ينجرف البعض بالتهليل والتصفيق، الذي اعتدنا رؤيته، وعلى الأخص من قبل ما يُعرف بتشكيلات المُعارضة الرسمية والتي قد تتبنى بدورها هذا المطلب وتعتبر طرح هذه الأمر بكونه يصب اليوم بالقضية السورية وهذا الأمر غير صحيح بالمطلق، بل  تمادي أي نظام اجرامي كخطر عابر للحدود هي نتيجة بديهية لتأخر التغيير والمُحاسبة.

 

فرغم أهمية حماية المنطقة بأكملها من أي تبعات سلبية لمثل هذه الشبكات لكن المطلب الأساسي للسوريين لا يتوجب تمييعه أو الانحراف عنه، ولنا في بلدان أُخرى عبرة ليعتبر بها الجميع ويدركوا مآلات التذبذب في تحقيق أهداف الشعوب التي تبني وتؤسس لاستقرار حقيقي ودائم.

 

فبحكم دورها، الذي تسعى أن يكون فاعلاً، على الولايات المتحدة الاعتراف بداية بمنظور جديد لسوريا خارج أي وصاية أو تبعية لأي من منظومات المنطقة، والعمل من هذا المنطلق مع السوريين القادرين على تبني رؤى غير محصورة في زوايا ضيقة، والاعتبار مما جرى في أفغانستان بما يخص التعامل مع المجتمع المدني تحديداً وإعادة النظر في نتائج السياسات التي كانت قائمة في هذه الأطر وهي نتائج كارثية بكل ما للكلمة من معنى، ولعل النساء والفتيات المحرومات من التعليم في أفغانستان أهم من يشهد اليوم بالكلمة وبالواقع عما أدت اليه مثل هذه السياسات.

 

ختاماً ومروراً على الجاليات السورية في هذه الدول ودورها في التأثير بالقرار، فلعل الانتهاء من الاكتفاء بدور اللوبي هو الخطوة الأهم، فقضيتنا أكثر أحقية من أن تحصر في أروقة ودهاليز مثل هذه القرارات، بل هي قضية تعبر عن واقع الإنسانية اليوم فلا تردد في القول لمن يقزّمها بأن النتائج ستثبت العكس، كما تفعل منذ أحد عشر عاماً وكما ستستمر بالتواجد ولو أنكرها العالم أجمع، طالما بقي سوري واحد ينطق بالحق بكوننا شعب مستقل ذو إرادة وإمكانية للنهوض والبقاء وبذلك فقط تستمر الشعوب أو تفنى.  

 

Download
تسجيل صوتي للمقال
تسجيل صوتي للمقال. د. سميرة مبيض..mp3
MP3 Audio File 4.4 MB