الشمال السوري ومستجدات الحراك الكردي 

د. سميرة مبيض

٤ كانون الثاني ٢٠٢٣

تتوالى المُستجدات على الساحة السياسية السورية وبشكل خاص في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام والذي بات ساحة مُقايضات سياسية وصراعات تتجاذبها أطرافٌ مُتعددة وبالأخص منها نُظمُ وقوى في دول الجوار الساعية للتمدد الجغرافي بالنفوذ في هذه المنطقة للحيلولة دون بناء مرتكز الدولة السورية الحديثة كعامل نهوض مؤثر وفاعل في عموم الشرق الأوسط.

فبعد أن رصَدنا التصريحات التركية للمقايضات الضمنية مع نظام الأسد، تشهد الساحة السورية اليوم تحركات على صعيد المحاور الكردية، ساعيةً للتقارب الملموس مع قوات سوريا الديمقراطية كامتداد للنفوذ في مناطقها، وهي مناطق سورية تديرها قسد ومسد منذ عدة أعوام ضمن ما يُعرف بمنظومة إدارة ذاتية بتوافق مع قوى التحالف الدولي المتواجدة في هذه المنطقة.

فبعد فشل واضح للمفاوضات التي امتدت لسنوات بين قسد ونظام الأسد، كان من البديهي ان تلتفت الإدارة الذاتية لتحالفات متباينة، فتعنّت النظام الحالي بالعودة الموهومة لما قبل عام ٢٠١١ ورفضه للتغييرات الجذرية التي يطرحها عموم السوريين المُطالبين بنهضة البلاد، هو عامل نابذ لأي جهة سياسية ومُعيق للتقدم بالمسار السياسي القاضي بالتغيير الجذري في منظومة الحكم في سوريا.  

ورغم وجود العشرات من الأحزاب الكردية، والتي تُفندها مقالات ودراسات مختصة لا يتناولها هذا المقال، لكنها تتراوح بالمجمل بين ثلاثة محاور تأثير سياسي، محور حزب العمال الكردستاني، محور الحزب الديمقراطي الكردستاني ومحور الاتحاد الوطني الكردستاني، إضافة الى محاور أخرى قد تكون أقل تأثيراً في المرحلة الحالية وكذلك منظمات مجتمع مدني تدور ضمن المحاور السابقة الذكر. 

ورغم ان ظهور حزب العمال الكردستاني كان الأكثر وضوحاً في منطقة الجزيرة السورية خلال العقد المنصرم من الثورة السورية، وذلك بحكم طبيعة الصراع التي سادت ضمنها، لكن المحاور السياسية الكردية الأخرى لم تغب عن التأثير سواء عبر القوى المسلحة أو عبر التعاون اللوجيستي او الامتداد الأيديولوجي أو القومي او سواه ونجدها اليوم ساعية لزيادة هذا التأثير السياسي في الشمال السوري كردود أفعال على عوامل عديدة، يمكننا أن نذكر منها:

 

·      التباعد عن وجود اتفاقات ممكنة بين قسد ونظام الأسد

·      تصاعد النفوذ التركي في شمال غرب سوريا والتحفظات الكردية عليه

·      الدفع الإيراني لتمدد في شمال شرق سوريا عبر معابر نفوذها وتأثيرها من العراق

ضمن هذا الإطار من المُستجدات التي تدفع بالمحاور السياسية الكردية، العراقية منها أو التركية، للتحرك ضمن شمال سوريا، يتوجب على كافة الأطراف العمل الحثيث معها على هدف واضح للجميع هو رفع النواة السورية فوق أي تأثير قومي أو أيديولوجي. 

فالأحزاب الكردية، اسوة بمثيلاتها من الأحزاب القومية الاُخرى في المنطقة من أحزاب عربية او سريانية أو غيرها، تأسست بناء على منظور قومي بالدرجة الأولى يجدُ نفسه بديهياً وبحكم بنيته وهيكليته بمواجهة القوميات الأخرى وليس مُكملاً لها وذلك على نقيض الهوية السورية القائمة أساساً على مفهوم تكامل التنوع الحضاري الذي نشأ وتطور في نطاقها الجغرافي عبر التاريخ.

ولتحقيق هذه الضرورة الحيوية لمستقبل سوريا، نجد أنفسنا من جديد بمواجهة تغييب متعمد لطرف سوري الصوت والمصدر والمصب، ضمن التشكيلات السياسية الحالية والمتمثلة بكيانات المُعارضة المُسيّرة من قبل تركيا أو من قبل دول عربية أو من قبل محاور دولية مُختلفة.

هذا التغييب والذي يمكننا قراءته كعامل اضافي دافع للمحاور الكردية للابتعاد عن الحوار السوري ـ السوري التعددي البنّاء واتجاهها نحو مسار وحوار قومي المفردات، وهو ذو مخاوف محقة ومشروعة لكنه لن يحقق المسار المطلوب لتحرير شعوب المنطقة.

فهذه المخاوف، كما سواها من مخاوف الشرائح والبنى المجتمعية الأُخرى، لا تُحل الا بترسيخ عقد اجتماعي جديد يحمي ويحترم التنوع والتعددية، وهو ما عملت عليه بجد جهات عديدة في شمال شرق سوريا خلال السنوات الماضية لكنه عمل يبقى منقوصاً طالما لم يستكمل أبوابه وأسس بنائه من واقع سوريا وشروط نهوضها الحيوية والمجتمعية والاقتصادية والبيئية وفق توافق ودعم عموم السوريين والسوريات ليصبح بذلك نافذاً، وذلك ما كان يتوجب على اللجنة الدستورية العمل عليه لولا لم يتم تعطيلها لمدة ثلاثة أعوام من قبل المعارضة والنظام ومن تم اختيارهم من قبلهم فيما يُعرف باللجنة المُصغرة. 

بتحديد الأهداف نختصر الطرق، لتكن نواة سوريا فوق القوميات، فهو أجدى للجميع من أن تكون النزاعات فوق هدف احياء سوريا، ولكل حرية الاختيار الا ان الاستنارة بالعقلانية والبصيرة واجب لا حياد عنه.