المفاوضات، عن أي سلام يبحث المتفاوضون

د. سميرة مبيض

٢٢ ديسمبر ٢٠٢٢

 

يتكرر اليوم مصطلح التفاوض بعد الحروب على صُعد عالمية واقليمية عدة، ويتباين المفهوم فيُفسره كل طرف وفق مواقف غير تفاوضية عموماً تبتعد عن أن تكون واقعية قائمة على مسار احلال السلام المُستدام، فالبعض يرى به استسلام وفق مُكتسبات عسكرية وآخرون يرون به إدراجاً لأطرافٍ محددة في اطر المنظومة السابقة التي قامت على الصراع العسكري وتسببت به أساساً وجهات ثالثة تعتمد عليه لتحقيق مرابح اقتصادية غالباً ما ترتبط باقتصاد اعادة الاعمار أو ما يعرف بمصطلحات التعافي الاقتصادي وسواها.

 

في تلك جميعها يغيب اي توجه يبني لمحور سلم واستقرار جديدين في المنطقة المتضررة في أي مكان من العالم، بل تسود في اغلب الاحوال محاور التقسيم القائمة على نتائج الصراع.

أمثلة عديدة يوردها تاريخ الحروب في هذا الإطار، وهي تشظيات جغرافية غالباً، شمال جنوب، شرق غرب، تقسيم جيوسياسي غير منتهي يعزز حالة الحرب على المدى المتوسط والطويل والتي يعمل التفاوض على تحويرها فقط من حرب معلنة لحرب باردة أو كامنة وهو ما قد يفضي لنتائج أسوأ من الصراع بحد ذاته.

 

من أهم هذه النتائج المسيئة هو الاستهلاك الإنساني للمجتمعات المعنية، واستهلاكها هنا يعني تكريس كافة المقدرات للصراع المعلن أو الكامن، وتعتبر كافة الدول في فترات ما قبل الصراع المعلن او ما بعد الصراع المتحور من هذه النماذج  والتي تعتمد على التصعيد الأيديولوجي المستمر ضد جهات بعينها أو ضد محاور معينة ويتناوب به الشكل المسلح والايديولوجي وهو أمر يستهلك، بصورة لا تقبل الشك، المجتمع المعني بالصراع وذلك عبر تحوير بناء المجتمع من مسار الإنتاج الى خدمة حالة تتطلب مؤسسات تابعة لها تقوم بشكل رئيسي بنشر الاشاعات، وبترسيخ الفتن والتصعيد تجاه دولة محددة أو محور دولي ما، بما يشغل ذلك المجتمع ويصبح مركز اهتمامه الرئيسي، بعيداً عن أي تطلعات أخرى لبناء واستقلال ذاتي بل ويعيق ترسيخ استقرار حقيقي قادر على حفظ الامن والاستقرار بحكم أن المنظومات من هذا النوع بُنيت على وجود الصراع ولا تستمر الا باستمرار هذا الصراع وتفنى بفنائه. 

 

يبرز بوضوح في كسر هذه الأطر دور جهتين، الجهة الأولى هي المجتمعات المدنية المتضررة، والتي تعمل على كسر نمطية الصراع الكامن أو المعلن والتخلي عنه والتوجه نحو بناء مصالحها والجهة الثانية هي جهة دولية تضمن أمن هذه المجتمعات المدنية وتتيح لها مساحة آمنة لبناء ذاتي ومستقل لمصالحها، وهنا تحديداً ما يتوجب على مؤسسات الامن العالمي وما يدور في فلكها أن تعمل عليه وأن تعي خطورة التخلي عن دعم المجتمعات المسالمة، وذلك حصرياً ما يجب ان يكون عليه عمل وتأثير المؤسسات الدولية وفق مواثيقها التأسيسية في بناء السلم والاستقرار وبذلك تكون أهدافها محققة وناجزة وليس بالانسياق وراء أي تلاعب إيديولوجي بمسمى معلن أو كامن.

 

تضافر هذه الجهات، المجتمعات المدنية والمسالمة الساعية للاستقلالية والبناء الذاتي ومؤسسات الأمن والاستقرار العالمية، بهدف مشترك لتحقيق وضمان استدامة السلام في أي منطقة هي معادلة ناجعة، قادرة على مواجهة التحديات التي تواجه الانسانية اليوم وهي المُعادلة التي يتوجب علينا كسوريين أيضاً التوجه اليه في سياق المفاوضات السورية، بينما ما يُسمى بالمفاوضات التي تجري اليوم لا تحقق هذا الشرط الرئيسي وهي بذلك تفتقد الشرعية وتفقد القدرة التنفيذية على تطبيق القرارات الدولية الساعية للتغيير السياسي في سوريا وتحتاج لإعادة النظر والهيكلة الجديدة لتكون مفاوضات جدية تحقق مطالب السوريين، أو أي شعوب متضررة، في تحقيق بيئة آمنة ومستقرة للتنمية والتطور يستحقها الجميع دون استثناء بكونها أساس نشوء التمدن وتطوره وترسيخه في أي موقع من العالم.

 

Download
للاستماع لمقال المفاوضات، عن أي سلام يبحث المتفاوضون. ج. سميرة مبيض ٢٢ ديسمبر كانون الاول ٢٠٢٢
للاستماع للمقال د. سميرة مبيض 22 Dec 202
MP3 Audio File 4.2 MB