رأس الكنيسة الكاثوليكية، الى أفريقيا بمفاتيح من ذهب وفضة

د. سميرة مبيض 

٣ /شباط فبراير/ ٢٠٢٣

 

يتجه رأس الكنيسة الكاثوليكية الى أفريقيا، مجازاً وفعلياً حيث اتجه البابا فرنسيس مؤخراً الى القارة السمراء التي تعاني من التفقير والتجميد المتعمد في مسارات التنمية والتقدم منذ عقود طويلة، مستنكراً حالة الاستعمار الاقتصادي والاستغلال ومصطحباً معه شعار الفاتيكان المتكئ على ثلاثة تيجان ترمز للسلطات التي تُمنح لرجال الدين وعلى مفتاح من ذهب وآخر من فضة، والتي يُراد لها أن تُمثل مفاتيح ملكوت السماوات رغم أنها أقرب لتمثيل القيود الدنيوية من سعي للمال والسلطة، ليبدو الشعار بحد ذاته مناقضاً لجوهر تعاليم ابن الانسان كافة، التعاليم التي صنعَ بها المعجزات والتي لم يدركها هؤلاء رغم

قرون الزمن التي قضوها في سعيهم وراء الحقيقة.  

 

في حين تأتي هذه الزيارة في واقع الأمر،  ضمن حالة التجاذب القائمة اليوم بين دول ما يُعرف سياسياً بمحور الغرب من جهة وبين محور الشرق من جهة أخرى والتي تتخذ شكل صراع عسكري بين روسيا وأوكرانيا من جهة وأشكال متعددة للحرب الباردة بين الدول المنضوية في أحد هذين المحورين من جهة ثانية ومنها التجاذب الكاثوليكي الارثوذكسي.

وفي هذا السياق تعتبر دول ما يُعرف بالعالم النامي ساحة تجاذب سياسية واقتصادية واجتماعية ثقافية لكسب المساحات من قبل المتصارعين. وتجدر الإشارة هنا الى أن العالم النامي لم ينله من التنمية الا اسمها بينما عانت دوله منذ عقود طويلة من اخضاعها لوصايات ولنظم تخدم مُشغليها، ولتجميد في السبل التعليمية والعلمية ولتحويلها لبؤر إرهاب وترهيب وصراعات مستمرة وتحفيز طائفي وتسليح وغير ذلك من مسببات الدمار والتقهقر وهو ما يُفسر حالة الحراك الغير مسبوق اليوم في هذه الدول وفقدان ثقة هذه الشعوب بمؤسسات المجتمع الدولي التي لم تقدم الا الوعود دون التنفيذ لغاية هذه الحقبة من التاريخ.

 

تأتي هذه الزيارة اذاً كمحاولة للتخفيف من التوترات التي جرت وتجري بين حكومات أوروبية وبين شعوب وحكومات في دول أفريقية، توترات افرزتها المواقف الجانحة نحو اليمين المتطرف لعدة شخصيات وأحزاب، والتي تفاقمت بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، مواقف ضد المهاجرين واللاجئين، ومناهضة لقيم تعايش الأعراق والأديان والثقافات المختلفة، القيم التي يُفترض أنها تشكل أسس معاهدات حقوق الانسان وقيم الأديان وغيرها مما تتغنى به هذه الحكومات ولم تعمل به الا بصورة تمييزية. 

 

لكن هذه الوسائل السياسية تبدو اليوم غير مقبولة على الاطلاق، مقابل المعاناة الحقيقية لملايين البشر وتظهر الخطابات والكلمات فارغة لا معنى لها طالما يستمر تجميد مسار التقدم والتنمية الحقيقية في مناطق شاسعة من الأرض وتظهر الزيارات الديبلوماسية كزيف يناقض ما يحصل على ارض الواقع. 

 

تجدر الإشارة أيضاً الى أن اضطلاع رجال الدين بهذه المهمات ليس حديثاً لكنه يتم اليوم في غياب حضور سياسي عالمي وسطي متوازن قادر على التأثير في سياق الأحداث وتغييرها، مما يشير الى التراجع الهائل في الدور الحيادي للمؤسسات الدولية  والى شبه اندثار لأحزاب الوسط وتيارات اليسار المعتدل ضمن حالة الاستقطاب الحاد الذي تشهده الساحة الدولية عموماً بين المحاور المُتصارعة وينعكس بدوره على السياسات الداخلية في كل دولة وعلى المؤسسات الدولية بشكل متفاقم. 

 

بالعودة للقارة الافريقية ولمساعي النهوض الجارية ضمنها اليوم، فهي تتطلب العمل على محاور عديدة لا تقتصر على المحور الاقتصادي رغم أهميته بل أساسها هو تنظيم الدول وبناء مؤسسات الحوكمة الفاعلة ومحاربة الفساد ومراجعة أثر التقاليد الاجتماعية على المجتمع وكيفية الدفع نحو نهوضه وتقدمه وتبيان مسببات الصراع والحد منها وإعادة بناء العلاقات الإقليمية والدولية بشكل سوي ومتوازن.

فالاعتماد ليس على زيارات ديبلوماسية وتصريحات متعاطفة ومواسية ولا على مساعدات إنسانية بل على مسار بناء مستدام اسوة بجميع الدول الساعية للنهوض في العالم اليوم، دون أن ننسى تذكير كل من لازال يعمل بعقلية الفوقية والعنصرية بأن نهوض العالم لا يتم الا بشكل متناغم متكامل وأن هذه العقلية ليست الا معيق للتقدم وستلفظها البشرية تدريجياً في سياق تطورها الطبيعي فالأحرى بالجميع الإسراع بالالتحاق بمسار الاعتدال لتجنب انزلاق هؤلاء نحو صراعات غير منتهية تعمل على تطوير اسلحتهم وعلى تجميد عقولهم وضمائرهم، فالكلمة الأخيرة للعقلاء كما يعلمنا تاريخ الإنسانية منذ نشؤها رغم الحروب والصراعات والتزييف فهي بالعقلانية استمرت وحسب.