فرضية الحديقة والغابة، د. سميرة مبيض تفند التصريحات السياسية الخاطئة علمياً لمسؤول في الاتحاد الأوروبي.

 

د. سميرة مبيض

06/11/2022 

 

تتالت ردود الأفعال المحلية والعالمية على تصريحات منحرفة عن المفهوم الإنساني السليم والتي أدلى بها أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي مُشبهاً عبرها أوروبا بالحديقة وسواها بالغابة، ولم تأتي هذه التصريحات من أي جهة بل أتت من مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، ولم تأتي في أي حدث بل أتت خلال حدث ما عرف بافتتاح الاكاديمية الدبلوماسية الأوروبية الجديدة فأي مؤشر أشد سوءاً على مسار هذه (الدبلوماسية الجديدة) المُوغلة في قدم مفاهيم متهالكة انسانياً وخاطئة علمياً.

 

ولعل أطروحتي العلمية في الفلسفة البيئية والتي دافعتُ عنها ونشرتها في مقالات علمية مُحكمة في الرابع من نيسان لعام ألفين وأحد عشر، أي منذ ما يُقارب أحد عشر عاماً ونيف MOBAIED, 2011     تعد من الأعمال العلمية الهامة التي تثبت خطأ هذه المفاهيم وقد نقضت عبرها توجهات إدارة الطبيعة القائمة على مفهوم السيطرة على الحياة ومنع ديناميكيتها الحرة ومُحاولات تجميدها وتثبيتها في حالة مُعينة بغض النظر عن هذه ماهية هذه الحالة. فالتوجه بحد ذاته هو مفهوم قائم على فكرة خاطئة بأن الحياة قابلة للتثبيت كصورة أو رسمة أو تمثال يروق لجهة لناظر ما أو سواها من حالات الجمود، وهي بحد ذاتها حالات جمود زائف فلا وجود للجمود بحد ذاته كمفهوم مطلق في الحياة. وأثبتُّ في أطروحتي أنه رغم المبالغ والجهود الطائلة التي تستهلك في هذا التوجه فهو لا يؤدي للهدف المُفترض، فالهدف بحد ذاته غير قابل للوجود أساساً بل هو يؤدي لنتائج مغايرة تماماً عما يعتقد الفاعلون أنهم بصدد تحقيقه.

 

المُعضلة الأساسية في هذه المسألة ليست في تأثيرها المحدود والمباشر على بعض المواطن البيئية وحسب بل هي في امتداد هذا التأثير السلبي كمنهج تفكير عام تتحمل البشرية نتائجه الكارثية فهو يصب بشكل مباشر على معضلة التغييرات المناخية أيضاً وعلى أسلوب التعامل معها كإشكالية ستحل بالمال وبادعاء امتلاك الحلول وبالتفكير السطحي البسيط ذو الاتجاه الواحد، وبفرض الآراء الفوقية الفارغة الجوفاء، في حين انها معضلة ذات أوجه عديدة تحتاج بالضرورة لتعاضد البشرية دون استثناء وكذلك معضلة الجائحات البيولوجية والتي بدورها لا يمكن افتراض معالجتها في (حدائق) مُتخيلة ومُفترضة وفي مطابخ سياسية تعلو ضمنها قرقعة فارغة على أي أمر آخر، بل حلولها في فهم واقع البشرية الحقيقي وهو أبعد ما يكون عن أكاذيب السياسة وألاعيب المال ومتاهات مؤتمرات توازع الأدوار والمسرحيات المُكررة والزيف.

 

كما اعتدتُ في ما أتناوله علمياً ومعرفياً، أضع النموذج السوري كدليل لا يقبل الشك عن خروج منطقة جغرافية بشعوبها وتنوعها ومنتجها الإنساني الهائل عن ركب الإنسانية كنتيجة لهذه السياسات الفاشلة وعن الكوارث التي أدى وسيؤدي اليها هذا الاقصاء وهذا التهميش البشري المصطنع للتنوع الطبيعي ومحاولة ابتلاعه في مفهوم النظم الشمولية القمعية القاتلة للحرية والتطور، وهو ليس حال سوريا وحسب بل مئات النماذج لشعوب تم اقصاؤها قسراً عن مسار المساهمة الفاعلة للتطور البشري تنهض اليوم بصروحها اللاعنفية في وجه هيمنة العنف وصوت السلاح وسمية الكيماوي وحدية الرصاص لتقول أن الحياة هنا كثابت وحيد أزلي ولا شيء سيوجد بغيابها، فلتكف اذا كل وأي جهة عن اصطناع حدائق هشة تسعى لوأد الحياة فحتى الحدائق نشأت من الحياة ذاتها وأنواعها الحية تمتد جذورها في غياهب الغابات البكر فلا تتخلى الأنواع عن جذورها فأي انحراف أشد من تصريحات تقول ان العالم حدائق وغابات وما الذي يستحقه الا النبذ والاستهجان بل والحكم بالصمت كأي لغو يقود البشرية للموت والتدمير الذاتي.

 

ختاماً، فان امتلاك العلم هو تراكم لمعارف الشعوب المعرفية وليس ملكاً لجهة أو طرف واحد تحت أي مسمى، والقاعدة في هذا المسار واضحة ان لم يحقق امتلاك العلم توازن الدفة لاحترام الحياة وتحقيق مصالح الكائنات الحية جمعاء فهو نهب واستلاب بأطماع أنانية وحسب ولا مكان لهذه الصفات في مستقبل آمن ومستقر للبشرية.