فشل اجتماع المناخ السنوي بمحاولات اجترار قرارات الاسترضاء والمرونة البالية.

د. سميرة مبيض

٢٠ Nov.   ٢٠٢٢

لا بد من إعادة مشاهد الاجتماع السنوي للمناخ مراراً، الاجتماع المعروف بالرقم السابع والعشرين لهذا العام، لمعاينة نسبة المتحدثين ممن عانوا من نتائج الفيضانات الناجمة عن التغيرات المناخية، أو نسبة المزارعين ممن تشققت معاولهم بوجه الجفاف الذي أصاب وجه الترب البعلية، او نسبة النساء والأطفال ممن عانين من هجرة قسرية ولجوء متعلق بمسببات التغيرات في المحيط الحيوي أو بالصراعات الناجمة عن هذه التغيرات، رغم ان تكرار المشاهد لن يغير من واقع غياب أثر هذه الأصوات ومن سماع اجترار كلمات لا تؤدي الفاعلية المطلوبة في وجه الكوارث الإنسانية القائمة اليوم. 

 

فلا زال هذا الاجتماع، ككثير من الفعاليات الدولية اليوم، عبارة عن فقاعات إعلامية تفقد أثرها بمجرد انتهاء تسليط الضوء عليها، ورغم ما طُرح من وعود دعم مالي للدول المتضررة لكن الجدوى المستدامة لهذه التداولات وأثرها في رفع الضرر وفي استئصال التهديدات المُباشرة على القاطنين في هذه المناطق لا زال غائباً. 

بالمقابل كان صوت الاسترضاء والمرونة مُرتفعاً على لسان مسؤولين في الدولة المُضيفة أو غيرهم من مُمثلي المنظمات والحكومات الحاضرة، مما يدفعنا للتساؤل عن من المعني هذا الاجتماع بالتوجه اليهم لاسترضائهم بالنتائج أو لإظهار المرونة تجاههم، وما هي جدواه، في تكراره السابع والعشرين، ان لم يكن موجهاً لكل انسان وكائن حي عانى ويُعاني من نتائج هذه الكوارث منذ عقود.

 

إضافة الى كون هذه الجهات من دول ومنظمات، الساعية لحل المشاكل المناخية، هي ذاتها الجهات التي ساهمت بخلقها وبتفاقمها لكن عجزها في حل مشاكل أخرى أقل تعقيداً هو عجز واضح للأعين جميعها، فكيف وماذا سننتظر من الاجتماعات المحدودة في سياقات الديبلوماسية وتوزيع الهِبات وهل يعتقد هؤلاء أن العالم سيقف متفرجاً على المؤتمر الثلاثين والأربعين وهلم جراً بمقابل تمدد أثر التغيرات المناخية الذي يطال الجميع دون استثناء.

 

ولعل من أبرز الغائبين عن هذا الاجتماع، عدا عن الأشجار والتي سنعود الى غيابها في ختام هذا المقال، من أبرز الغائبين هو الحلول القائمة على فهم تعقيدات هذه التغيرات وبغياب نظم الحوكمة القائمة على أسس بيئية تحترم الحياة بأكملها ومن ضمنها الانسان كجزء لا يتجزأ منها وارتباطها بالصراعات المسلحة والتغول المتفشي في العالم. في مقابل هذه الغياب برز حضور اللوبيات البالية المُروجة لاستمرارية حال التدهور الإنساني اليوم، تبعاً لمنافعها، بما يحمله هذه الحال من تفاهة وعنصرية وسطحية ومظاهر لامعة تخفي تردياً مريعاً للقيم الأساسية الرافعة للتحضر البشري.

 

فإلى متى سيحضر الزيف في حين ان الحقيقة ساطعة كنور الشمس، الذي تم تزييف شكله هو الآخر في الشعار الذي تبناه الاجتماع السابع والعشرين للمناخ، لكن ولكي لا نتوقف عند المظاهر كثيراً لن يفند هذا المقال الوضع البصري المُقدم لا في الشعار ولا في الإعلانات المحيطة بالمؤتمر ولا في المكان السياحي الذي تم اختياره للحديث عن معاناة الأرض وأهلها، رغم ذلك لا يمكن غض النظر عن غياب الأشجار، الحقيقية منها والضاربة جذورها في عمق الحياة، فيا لقتامة مشهد تغيب عنه الأشجار ولو زينته مئات المصابيح سيبقى هواؤه يفتقد الحياة ولو أغرقته العطور المُصطنعة.

أما من نواحي القرارات الناجمة عن المؤتمر فلا مضمون فعال أو علمي أو تطبيقي ليناقشه هذا المقال، فما عُرِف اعلامياً بإنشاء صندوق دعم في العام القادم لا يخرج عمّا تم ذكره في السطور السابقة لمن لا تخدعه الدعاية ويدرك فراغ مضمون هذه التصريحات. 

 

ما العمل، بمواجهة تمسك من لا يستطيع إيجاد الحلول من فرض مسارات خاطئة، قد تفرض الوقائع الكارثية حلول محلية لمن استطاع من الشعوب المتضررة النجاة بمواجهة عدم وجود إدارة حكيمة ورشيدة دولية لهذه الكوارث، فذلك هو الاختيار الطبيعي الذي يفرضه تراكم الأخطاء من قبل من لا يدفعون ثمنها.