ما دوافع الجرائم البيئية لقوى الأمر الواقع في شمال غرب سوريا؟

 

د. سميرة مبيض 

01/09/2022

 

لم يخف على أحد مشهد الأشجار المقطوعة من الأراضي السورية والمُهجرة للمجهول، للحرق أو للبيع لا نعلم مصيرها، لتبقى الأرض الجرداء بعد وُفرة، شاهداً على تغول قوى الامر الواقع المفروضة على السوريين في عموم الأراضي السورية وفي شمال غرب سوريا تحديداً، شاهداً ودافعاً للتعمق في المسببات التي تدفع هؤلاء لقطع الأشجار.

 

مع العلم أن قطع أي مساحة من الغطاء النباتي والشجري بشكل خاص هو تخريب طويل الأمد لعموم الوظائف الحيوية التي تقوم بها هذه المواطن البيئية ومنها تنقية المياه والهواء وحفظ التربة متماسكة بوجه الانجرافات والتصحر إضافة الى تأثيرها على المناخ وما تحتويه من تنوع حيوي كموطن للكائنات الحية المتنوعة، أما إذا كانت أشجار مثمرة أو زراعية فتعتبر مصدر غذاء واستمرارية للمجتمعات المحلية المعتمدة عليها.  

 

 

يقودنا ذلك بشكل مباشر لعموم الحالة البيئية في شمال غرب سوريا والتي بعد معاناتها من الحرب والقصف والدمار من قبل النظام وحلفائه لفترة طويلة لم تحظَ منذ استلام كيانات المعارضة السورية لادارة أمورها، بأي تحسن يذكر.

 

 فقد عمدت هذه الأجسام بأذرعها السياسية والمسلحة والتنفيذية، بتنفيذ سياسات تضعف الإنتاج الزراعي المحلي وتعيق الاستفادة من الموارد البيئية المحلية للمنطقة وتخربها بشكل ممنهج لصالح ترجيح التبعية الغذائية والاقتصادية للدولة التركية المتاخمة للحدود، فتم تطبيق سياسات تعتمد الاستيراد لزيادة موارد هذه الكيانات عبر المعابر الحدودية وزيادة حظوتها لدى الحكومة التركية بتفضيل خيارات تدعم الاقتصاد التركي وذلك على حساب افقار المواطن السوري وتخريب القدرة الذاتية للإنتاج في ارضه

 

فعدم دعم المزارعين الذين يعانون من نتائج الحرب ومن ارتفاع درجات حرارة المناخ والجفاف المرافق له وتجاهل اصلاح الاضرار الناجمة في البنى التحتية اللازمة لاستمرار عملهم وانتاجيتهم، ليس أمراً عارضاً بل هو اهمال متعمد لهذا القطاع، لتتحول منطقة من أكثر المناطق خصوبة في سوريا لأرض فقيرة، يحتاج أهلها لشراء قوتهم بالاستيراد وليس بالحصاد، وحتى الحصاد باتت تنافسه بضائع موازية بأسعار رخيصة لتصل به للكساد والاتلاف

 

في واقع الأمر لم تقدم هذه الكيانات السياسية، الائتلاف، الحكومة المؤقتة، الفصائل العسكرية بمسمياتها المتعددة، والمُصنعة بمجملها على صورة الأسد كمثاله، أي أمر إيجابي للحراك الشعبي في سوريا بل كانت عامل انحراف نحو التطرف، عامل فساد وسلطوية، عامل تبعية وارتهان واليوم يظهر أنها عامل تخريب بيئي ممنهج لمنطقة تزيد عن عشرة بالمئة من الأراضي السورية

 

 هذا التخريب البيئي لمحيط الانسان السوري يحوله من حالة الاكتفاء لحالة التبعية في تناغم مع مساعي الحكومة التركية لفرض هيمنتها على هذه المناطق وتطبيق مقايضات سياسية مع نظام الأسد تضمن بقاؤه في السلطة في محاولة لمنع وجود أي منطقة مستقلة قادرة على تشكيل نواة لبناء سوريا المستقبل.

 

لكن هذه الجرائم البيئية ليست جريمة بحقنا كسوريين وحسب، بل وفي ظل التغييرات المناخية التي تطال العالم أجمع تعتبر جريمة انتهاك بحق الحياة، وبحق الأجيال القادمة

ينفذ هؤلاء سياسات تُملى عليهم، فلا هم يسألون عن مصالح سوريا ولا السوريين، فمنهم من مثل المصالح التجارية لتركيا لسنوات طويلة قبل أن يصبح رئيساً لحكومة ((لإنقاذ)) سورية، ومنهم من برر استبدال الليرة السورية بالتركية في شمال غرب سوريا ومؤخراً استحدثت الحكومة منصب وزير زراعة، لترتكب بعد عدة أسابيع من استلامه الحقيبة أسوأ الجرائم البيئية بحق الاراضي السورية مما يشرع لنا السؤال هل اندرجت هذه الانتهاكات في برنامج الحقيبة المعنية، وهل سيجرؤ على محاسبة قاطعي الأشجار، وهل سيعمل على دعم المُزارع السوري لتستعيد الأرض قدرتها الإنتاجية وهل سيحد من استيراد أي مواد تنافس المحصول المحلي، رغم أن هذه المطالب قد تبدو أموراً بديهية لأي مواطن لكنها أجندة سورية لن تنفذها حقيبة من حقائب الحكومة المؤقتة ولن يحملها عضو في أحد هذه الكيانات السياسية أو العسكرية، بل سيحملها من يؤمن بحق سوريا وأرضها وأهلها بالحياة.

 

ختاماً، تجدر الإشارة أن الإضاءة على شمال غرب سوريا لا يعني أن حال سوريا بيئياً أفضل في بقية المناطق الخاضعة بدروها لقوى الاستقطاب السياسي والتي لا ترجح بأي حال من الأحوال الا مصالحها الأيديولوجية والعسكرية وذلك يحصل دوماً  ودون استثناء على حساب الانسان والمجتمعات المحلية ومحيطها الحيوي.