ماذا بعد عشر أعوام على إطلاق الحكومة السورية المؤقتة

د. سميرة مبيض

١٠ كانون الثاني، يناير ٢٠٢٣ 

مع حلول الذكرى السنوية الثانية عشر للثورة السورية في آذار القادم تكون الحكومة السورية المؤقتة قد أتمت العام العاشر على اطلاقها الذي جرى في عام ٢٠١٣، وبمواكبة اقتراب هذا التاريخ تتصاعد أصوات السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام مُطالبة رئيس الحكومة المؤقتة الحالي بالاستقالة تبعاً لتصريحات اعلامية نُسبت له يؤيد ضمنها مساعي المقايضات السياسية بين الحكومة التركية ونظام الأسد. 

 

ربما يستدعي الأمر أكثر من المطالبات باستقالة الرئيس الحالي للحكومة المؤقتة، رغم أهميتها، لكن قراءة شاملة لعشر سنوات من عمل الحكومة يُعتبر اليوم ضرورة، لإيجاد الإجابة على سؤال جوهري وهو: كيف ينتهي المطاف بحكومة يُفترض أنها تُمثل حراك الشعب السوري المدني ويده المؤسساتية التنفيذية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بأن تدعم مساعي حكومة أُخرى للمصالحة مع نظام شمولي نهضت الثورة السورية ضده بالأساس.. هل الخلل فعلاً يقتصر على رئيس الحالي للحكومة المؤقتة، والذي استلم المنصب منذ ثلاث سنوات تقريباً، أم الخلل يمتد للهيكلية التي قامت عليه الحكومة المؤقتة ولغياب الشفافية بالأهداف وبالتمويل طيلة عقد من الزمن.

 

فعلى غرار بقية الكيانات السياسية التي تأسست عبر مسار العقد المُنصرم جرى تشكيل الحكومات المُتتالية وفق مبدأ المُحاصصات السياسية والتي باتت معروفة لدى الجميع ولا تتطلب التكرار والاعادة في هذا المقال، ورغم أن اطلاقها تبنى مصطلح التكنوقراط لكن مسارها اتخذ منحى مختلف هو منحى التقاسم السياسي البحت، إضافة الى ذلك فقد لبثت ميزانية الحكومة المؤقتة بعيدة عن الشفافية المطلوبة من قبل السوريين الرافضين للفساد والمحسوبيات والتي كانت مسبباً رئيسياً لانطلاق الحراك السوري في عام ٢٠١١ بكونها أحد أهم عوامل فشل مؤسسات الدولة السورية في خدمة المواطنين وفي تحقيق الشروط السوية لمعيشتهم ولتطور بلادهم وضمان استقرارها.

 

ففي ضوء المُعطيات الحالية والتباعد الواضح بين الحكومة المؤقتة الداعمة للمصالحة مع الأسد، وبين السوريين الساعين لاستقلال سوريا عن التبعيات السياسية ولإنهاء النظام الشمولي وانهاء الفساد والنهب، يستحق الأمر ما هو أكثر جذرية من استقالة أحد شخوص المعارضة، بل لننظر بجدية فيما تحتاجه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لتصبح نموذجاً لمطالب السوريين المُحقة، ليس ممن نهضوا بالثورة السورية وحسب بل مطالب كل سوري طامح لبناء دولة القانون والمواطنة التي تضمن الاستقرار لأبنائها وللأجيال القادمة.

 

لنبدأ بالمُطالبة بالاطلاع على آلية تشكيل وميزانية عمل الحكومة المؤقتة طيلة السنوات الماضية، بعيداً عن الشعبوية وتبادل الاتهامات، بل من منطلق تحليل منهجي حرفي لمسببات الحال القائم اليوم وجميع من شارك في هذه الاطر مُطالب بالتعاون لتحقيق هذا الهدف.

أما الخطوة الرئيسية فتتطلب تشريع فعلي لتأسيس مثل هذه الحكومة، فهي تستمد وجودها اليوم من الدول الداعمة لها وبالتالي تخضع لشروطها واجنداتها السياسية، وليس ذلك حصراً على الحكومة المؤقتة بل اسوة ببقية الكيانات المُعارضة، جميعها ستندرج في سياق المُصالحة وتقاسم السلطة حين تُؤمر بذلك من قبل الداعمين والممولين والمُستضيفين ..الخ، فلا مرجعية واضحة لقيام هذه المؤسسات من منطلق التغيير السياسي المطلوب في سوريا ويعيدنا ذلك بديهياً لغياب دستور سوري مؤسس للحالة الانتقالية ولبناء الدولة السورية الحديثة، بحيث يمتلك شرعية إيجاد المؤسسات وتحديد آليات عملها وتشكيلها ومواردها والمحاسبة والشفافية ويضمن ويحمي استقلاليتها وفق مقومات الدولة القويمة وبعيداً عن الضبابية والانحرافات المرتبطة بهيمنة الدول على هذه الأجسام بغية تسييرها لتحقيق مصالحها بعيداً عن مصالح السوريين، وها ما عملت هذه الاجسام بالتواطؤ مع نظام الأسد على محاولة تعطيله وتسويفه لضمان مساعيهم المُشتركة لتقاسم السلطة. 

 

فما نراه اليوم ليس أخطاء فردية وليس نتاجاً عفوياً لحراك محق لسوريين طالبوا بنهضة بلادهم، بل هو نتاج الابتعاد عن نهج بناء الدولة الحديثة كمطلب رئيسي من مطالب الثورة السورية له قواعده ومرتكزاته الصلبة والراسخة، وعليه فان حراكنا لا يجب أن يقتصر على تغيير شخوص لن تلبث أن تتخذ مواقف متذبذبة وفق خلفيات مختلفة، بل علينا تحديد مطلبنا وتفعيل ادواته وتنفيذه لتحقيق الهدف المستحق ببناء مستقبل سوريا كما هو جدير بتضحيات أبنائها.