مريم العذراء، الغائبة عن مهرجان مرمريتا.

 ١٦ آب ٢٠٢٢

د. سميرة مبيض

 

منذ عدة سنوات خلت ومرمريتا تستضيف مهرجاناً سنوياً في ذكرى عيد السيدة، وهو عيد ديني مسيحي يحيي رمزية ما يُعرف برقاد العذراء مريم أو الانتقال أو الصعود. 

بعيداً عن التفسيرات الدينية لهذه المُناسبة فمن اللافت اليوم تحولها من رمزيتها الروحية الى مهرجان سنوي مُرتبط بحالة سياحية واقتصادية كما وضحت بشكل مؤثر السيدة سلوى زكزك ابنة المنطقة في منشور لها على وسائل التواصل يمكن عنونته بالاغتراب عن المكان (للاطلاع على المنشور بالضغط عبر الرابط). 

 

لكن اللافت أكثر هو الاغتراب عن المعنى وتقصّد التشويه فلمن تابع بعضاً من صور المهرجان، سيظهر له بوضوح غياب مريم عن عيدها، وقد ظهرت في مشهد يتيم وتمثال شاحب، يحيط بها أزياء تنكرية متحركة من كائنات فضائية وكائنات غير بشرية بحرية وبريّة، كما ظهرت شابات المنطقة بصورة استعراضية وبمشاهد سطحية لا تعكس حقيقة بنات وأبناء المنطقة، مما يدفعنا للتساؤل الجدي عن مدى التقصد في اظهار المكون المسيحي في المنطقة بهذه الخفة والسطحية ومدى التعمد في تشويه معنى هذه الاحتفالية، التي يُفترض بها التذكير بقيم الإنسانية وبما يربط الانسان بتاريخه وأرضه ومن عاش عليها من أنبياء وقديسين وتركوا أثراً لا يُمحى.

 

تشويه مُجتمعي، ينعكس مداه بوضوح فيما نقلته احدى القنوات التلفزيونية بسخرية عن الكرنفال مُتغافلة أنه عيد يخص العذراء مريم، واصفة المشاركين بالكرنفال بشكل ضمني ب(القرود البشرية) وب(هياكل القراصنة والجنرالات).. فهل بلغ الترهيب مرحلة الاغتيال المجتمعي لطيف لطالما لعب أبناؤه وبناته دوراً رئيسياً في ترسيخ الثقافة والقيم في المجتمع السوري وكانوا دوماً روافع لنهضته، فبعد تشويه مواقف المسيحيين تجاه حفظ الكرامة الإنسانية ورفض جرائم القتل والقمع والاعتقال والاغتصاب يتم تشويه أعيادهم، ثقافتهم، هويتهم، تحويل وجودهم في أرضهم لصور استعراضية سطحية عارضة.

  

وكأن ذلك لا يكفي سوءاً لتنتشر مع الصور تعليقات تتغنى بهذه المشاهد مُعتبرة أنه أفضل من مهرجات الغرب، في تعبير إضافي عن جهل قائليها بسبل التقدم والحضارة والنهوض وتبجحهم بقشرة القشور..

 

فإلى من لا زال مؤمناً بقدرة سوريا على النهوض، دافع عن احترام ثقافاتها ولا تشارك بتشويه صورة أهلها، احرص على ألا تحمل سكيناً لتقتل سمة وهوية أرض، احمل شتلة خضراء وشمعة مضيئة لكل مكان تستكين فيه النفس للسلام والاطمئنان فيها، عسى لا تنطفئ آخر شعلة للنور. 

متابعة ٢١ آب ٢٠٢٢

نشر الدكتور شفيق يازجي، ابن المنطقة بتاريخ ٢٠ آب منشوراً توصيفياً  لكرنفال مرمريتا، (للاطلاع على المنشور عبر الضغط على الرابط المرفق)  يذكر عبره  كيف تحول الحدث في سبعينات القرن المنصرم من مسير للسيدات المُحمّلات بالنذور الى كنيسة السيدة العذراء في قرية كفرة، الى كرنفال مُتشبه بالكرنفالات البرازيلية بتأثير المغتربين العائدين للمنطقة وكيف أصبح حدثاً خاصاً ببلدة مرمريتا.

يدعونا ذلك للتأكيد على ضرورة احترام اختيار أبناء المنطقة بتحويل الحدث لشبيه بالكرنفال البرازيلي، طالما أنه اختيارهم، لكن لا يمكن الخلط بهذه الحال بينه وبين عيد العذراء مريم، فهما أصبحا حدثين منفصلين قلباً وقالباً فرمزية مسير نساء المنطقة لزيارة مزار لمريم وتقديم النذور والصلوات لم تعد قائمة كذلك لا يمكن الخلط بين هذا الكرنفال وبين رمزية الآلهة الاغريقية آرتيمس أحد أقوى رموز الآلهة الاغريقية فهي آلهة البرية والصيد  ولا صلة لها، هي الأخرى، بما يُعرض في المهرجان المذكور والذي هو فعلاً أقرب للتشبه بمهرجان ريو دي جانيرو المنطلق من ثقافة البرازيل، والموجه للاضاءة على مدارس الرقص التي تختص بها هذه المنطقة بشكل رئيسي  والتي تعد ذات أهمية قصوى واشعاع فني في موطنها البرازيل.

تعد هذه الاضاءة من الدكتور يازجي ذات أهمية بالغة، سمحت لنا بمعرفة خلفية المظاهر التي نراها وهي شأن محلي بحت على ان لا ينتحل صفة ومسمى العذراء مريم أو سواها بل يعّبر عن ما هو عليه فعلياً، و على أن يبقي الطرق مفتوحة لسير بضعة نساء حافيات حاملات للنذور والشموع لمزار مريم لينمن آمنات في الكنيسة ويعدن مرتاحات الضمير، كمن وُلدن من جديد.