مسببات العطالة في المسار السياسي السوري.

د. سميرة مبيض 

١٨ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٢

في توصيف سريع للنشاطات الأخيرة لما يُعرف بهيئة التفاوض يطفو تكرار ما يُعرف بجولات، بحث تعطيل المسار السياسي من قبل النظام، والتي تتضمن لقاءات للمبعوثين الدوليين للمحور الذي تنضوي في مداره هذه الهيئة عبر وسطاء اللوبي الخاص بكل منهم سعياً لاستمرارية مسار عبثي لم ينتج أي منجز للسوريين على مدى سنوات.

 

من جهته ينشط الائتلاف وفق المعطيات المتعلقة بترسيخ عزل شمال سوريا سعياً لاتفاقات بين الحكومتين التركية والسورية تتضمن تدجين وادراج المنطقة في مقايضات سياسية بينهما. 

 

في ظل هذه التحركات لا مكان الا للعطالة القائمة اليوم للمسار السياسي، فكل طرف لديه خطط غير قابلة للتطبيق، أو في أحسن أحوالها غير قابلة للاستمرارية وان طُبقت قسراً.

 

من جهتهم، كثير من السوريين لا زالوا ينجرون وراء أحد هذه المحاور، دون طرح السؤال الأهم، وماذا عن غداً، ماذا بعد تطبيق رؤى قصيرة المدى قد تمنح البعض انطباعات زائفة بالنصر أو تمنح آخرين انطباعات زائفة بالسيطرة كلاهما ساقطان بمواجهة أول تحدٍ حقيقي في المنطقة. 

 

في قراءة للحقائق يصبح من الضرورة اذاً تضمين الرؤى المستقبلية مرتكزاً واقعياً من واقع اليوم ومن الغد السوي المُنتظر، خارج بالمنطقة من صندوق ألعاب قوى متهالك ومنتهي، لتشكيل رافعة لما يستحق النهوض وحسب. يحتاج ذلك لشجاعة الاعتراف من قبل جميع الأطراف المعنية بأن سوريا وأهلها دولة ذات سيادة وليست كما يتوهمون امتدادات لدول أُخرى مهما تقاربت أو تباعدت عن حدودها، ومن ثم يحتاج ذلك لتفعيل أداة تأسيس حقيقية لهذه الدولة، وهي لا تُنتج بأجسام سياسية تابعة ايديولوجياً او مالياً، وذلك أمر أثبت نفسه ليس في سوريا وحسب بل في جميع الدول في المنطقة والتي مرت في العقد المنصرم وما سبقه بمسارات مُشابهة من تهديد في الاستقرار والأمن وليس في المنطقة حسب بل ما يمتد عنه عالمياً من ارتدادات لن تتوقف الا بمعالجة جذور الإشكاليات المُتعمدة لتجميد نهوض الشعوب وفرض التجهيل والتفقير والانتقال من هذا التردي والانحراف نحو بناء مسارات تحترم كافة الثقافات وتسير بها نحو التقدم والتساوي بالفرص.

 

كما يُعتبر عجز فاعلية الأمم المتحدة من أهم مسببات هذه العطالة اليوم وهي التي تهيمن على كافة الملفات دون إمكانية إيجاد حلول لها، بحكم كونها مؤسسة نشأت في ظروف مختلفة عن هذا العصر وتعالج ضمنها الأمور بمقاييس تلك الظروف وذلك الزمن على الأخص بما يتعلق بدول الشرق الأوسط والتي لم تستطع مؤسسات هذه المنظومة الخروج مما تدور به في رؤيتها المنقوصة لاحتياجات تطور المنطقة واحلال السلام الفعلي ضمنها، كجزء من سلام عالمي متكامل غير متجزء.

 

فكما سعت هذه المنظومة لعقود لتفريغ كافة التعقيدات والصراعات في هذه المنطقة ومنع تقدم ونهوض أهلها، عليها اليوم أن تسعى بجدية ومصداقية لإشراك شعوب الشرق الأوسط في بناء دول تعكس هوياتهم وثقافاتهم، وكذلك جميع دول ما يُعرف بالدول النامية والتي كان يفترض أن تكون التنمية ضمنها خطوة قد أُنجزت وباتت دول منتجة وفق ما تمتلكه من إمكانات وموارد وحقوق. 

 

بالعودة لسوريا، وللمعارضة الرسمية التي تتجاذبها سياقات الشكوى من جهة أو التدجين من جهة أُخرى، فلا بواكي لفشل مساعيهم الدائم ولتكن عطالة الى أن يفرض السوريين كلمة مصلحتهم الدائمة المُستدامة، غير المُهددة من أي جهة كانت وغير المملوكة لغير أصحاب الأرض، المتضررين من هذا التغول على مدى عقود طويلة فلا مكان لموازين منحرفة بين البشر على أساس الدين أو العرق أو اللغة أو النوع الجندري أو الثقافة على أرض شهدت نشأة أمهات التمدن ونهوضه وانتشاره وذلك من حسن طالع البشرية في مسار تطورها الدائم.