اثني عشر عام، هل عملت الميليشيات المُتطرفة على بقاء الأسد

 د. سميرة مبيض 

١٦ آذار ٢٠٢٣

 

يعلم كل من حمل راية الثورة كمسار للتغيير الجذري في سوريا أن الزيف والتضليل والانحراف القسري والارتهان عمّ صفوف المعارضة السياسية، وتم فرض فصائل مُسلحة تحت رايات غريبة عن الفكر السوري وتحت منطلقات دعم مصالح وتيارات أيديولوجية تابعة لدول التسليح وتحولت الأرض السورية لمصب تفريغ صراعات هؤلاء البينية عوضاً عن النهوض بحاضرها ومستقبلها. 

 

لكن لا يعلم السوريون ممن دافعوا عن بقاء بشار الأسد أنهم ضحية التلاعب السياسي والفتنة الطائفية والزيف من منظومة واحدة هم أيضاً وها هو اليوم رأس النظام الذي أرسل بآلاف من الشباب السوري للموت تحت وطأة الشحن الطائفي، ها هو اليوم يُقايض سياساً من موّل الفصائل المسلحة، التي كان يُجند الشباب السوري لقتالها، ويقايض من دعم حرف حراك الشعب السوري عن مطالب مُحقة ومن رفع رايات متطرفة على أراضي سوريا، فهل بات واضحاً للجميع تواطؤ النظام مع هذه التنظيمات الإرهابية، وبالأحرى يمكننا القول اليوم بوضوح هل وضح للجميع أن هذه التنظيمات ومن مولها وأسسها هي فعلياً من دافعت عن بقائه كما استخدمت كذريعة لوأد حراك الشعب السوري، بتنوعه والذي يشكل رافعة لنهوض سوي وسليم للمنطقة في ظل المتغيرات في الشرق الأوسط.

 

فلم يستشر بشار الاسد الأهالي المكلومين، وهم أهالي كل بيت سوري في مقايضاته السياسية هذه، ولم يحصل على موافقة أمهات الشباب السوري الذين جُندوا في ميليشيات الصراع البيني الطائفي المنشأ والمصب قبل أن يقايض على دماء أبنائهم مع دول المنطقة المنخرطة جميعها دون استثناء في قتل السوريين وفي استباحة أراضيهم. 

 

اليوم وبعد المُقايضات، من الحتمية اذاً أن يُعاد للضوء بعضاً من مواقف التواطؤ بين بشار الأسد والفصائل المتطرفة وصمته عن انتهاكاتهم بحق السوريين واستخدامه السياسي لها، ومنها أحداث قصف فصائل مسلحة لمناطق مدنية كأحياء دمشق القديمة على سبيل المثال وحي القصاع وباب توما وغيرها والتي استهدفت المدنيين من سكان وأهالي هذه المناطق وباصات مدارس الأطفال فيها وادت الى ترهيبهم ودفعهم للتهجير القسري في حين لم تطل نقاط تمركز النظام أي قصف، كذلك لنتذكر أحداث معلولا التي لم يحرك النظام ساكناً عند دخول المسلحين لها عدا عن خروجه على وسائل الاعلام ليستخدم ذريعة الأقليات ليستعطف بها المجتمع الدولي، ومن ثم وقف متفرجاً على نهب ميليشيات إيرانية لآثار معلولا وغيرها من الاديرة والمناطق الاثرية في سوريا. 

 

كل تلك الاحداث يتوجب قراءتها اليوم في ضوء المقايضات والتي تدل على توافق مسبق بين هذه الجهات منذ بدأ الحراك المدني السوري، كل تلك الاحداث يتوجب قراءتها اليوم من منظور من تم تهجيرهم ومن تم التضحية بأبنائهم ومن تم ترهيبهم وترويعهم خلال الاثني عشر عاماً المنصرمة. 

 

الى ذلك يتوجب أيضاً النظر بجدية في بوادر العنصرية المتنامية ضد السوريين من قبل دول الجوار وعلى كل منبر، فماذا لو انتشرت قوى لهذه الجهات على عموم الأراضي السورية، أي مستقبل ينتظر السوريين تحت أهداف وأد الهوية والتنوع السوري لصالح التوسع الذي سنّت له هذه الدول سكاكين وألسنة واعلام ومناشير، هل ندق ناقوس الخطر أيضاً وأيضاً ومن جديد على أن الشعب السوري بمجمله مهدد بعقود قادمة من العنصرية والتفقير والتجهيل واستغلال الموارد والمُقدرات والزج بالصراعات والفتنة، أم هل سينتظر المنجرفون بالزيف الحرب القادمة التي يُخطط لها على الأراضي السورية لتدمير ما بقي من الحواضر ولتهجير من بقيوا.  

 

للإجابة على جميع الأسئلة الواردة هنا يكفي أن يعلم السوريون بديهة أساسية عن نظام بشار الأسد بكونه نظام زبائني، باع الناس والبلد ومواردها لقاء بقائه في السلطة، وهو من هذا المنطلق نظام كاره ومدمر للهوية السورية التعددية وغير مؤهل للدفاع عنها، فعوضاً عن أن يعمل على استعادة الأراضي السورية بسعتها التي انتقصت منها تقسيمات ما بعد الحروب العالمية، نجده اليوم يعرض بيع المزيد ويدفع المزيد للموت والتهجير، ويُشارك بشكل مباشر أو غير مباشر حكومات دول المنظومة القديمة في توجيه الإهانات للسوريين وفي اضعافهم  وفي الحاق الأذى بهم.

 

على سوئها، عسى أن تكشف هذه المُقايضات بين الاسد ورُعاة التنظيمات المُسلحة أن لا مؤامرة كونية على الشعب السوري بل هو تواطؤ منظومة قديمة، عالقة في فشل الماضي تقاوم التطور الطبيعي وتسعى لدفن التنوع السوري ومنع عودته لمكانته المستحقة في ركب الإنسانية، بثقافاته المتنوعة قومياً ودينياً ولغوياً وبتبنيه للانفتاح وبارتكازه على حضارات عظيمة قامت في أرضه ولا زال أثرها وآثارها قائمة لهذا اليوم.

فعساها  يقظة لا عودة بعدها للتقهقر والتدمير المتعمد والذي ساد لغاية آذار ٢٠١١ فلا مستقبل  دون هذه اليقظة.