اجتماع رباعي قادم لترجمة صراع دول الجوار

 

د. سميرة مبيض

٩ آذار ٢٠٢٣

يكرر الجميع مقولة أن سوريا مقسمة ويعلم غير الغافلين أن تقسيمها هو النتيجة الحتمية لبقاء نظام الأسد فبقدر تمسكه بكرسي السلطة بقدر ما سيتباعد السوريون فيما بينهم مكانياً وفكرياً وكل يوم إضافي له هو صدع زلزال مجتمعي وهوياتي يُضاف لتراكم العقد المنصرم وما سبقه من تمهيد لهذا المآل عبر هذه المنظومة. فالاسد هو أداة تقسيم سوريا تلك هي البديهة الأولى التي يتوجب علينا تثبيتها، وعليه فمن يدعو من حكومات الدول للتطبيع مع الأسد تحت ذريعة الحفاظ على سوريا موحدة فهو مخطئ بالتقدير هذا ان رجحنا حسن النية في التصريحات الواردة حول وحدة سوريا، رغم ضآلة هذا الاحتمال.

 

فالصراع الحقيقي اليوم بين هذه الدول هو حول هوية سوريا المستقبل، حيث تفترض هذه الجهات ان لا هوية سورية، وهو افتراض قمعي وانتهازي ينتقص من كيان كل انسان سوري ويعمل على اضطهاده في سمته الأولى، هويته، في استمرار واضح لمنظور عقود من حكم نظام شمولي فرضته المنظومة القائمة بعد الحروب العالمية متجاهلة ومغفلة لهوية الشعب السوري ولمصالحه ولعوامل استمراريته وتمكين استقراره وأمنه.

 

لكنه افتراض خاطئ معرفياً وواقعياً، فالهوية السورية قائمة وتغييبها كان أبرز عوامل غياب الاستقرار عن سوريا وعن المنطقة لعقود ونشأ عنه صراعات قطبية غير منتهية تهدد أمن المنطقة وتصدر التطرف للعالم، وكل مسار سياسي لا يعترف بهذه الهوية ولا يعمل على استعادة عوامل استمراريتها سيُحكم بالفشل لانعدام الركائز السليمة، فلا فائدة تنتظر من اجتماعات رباعية ساعية لتفرض هوية عربية أو فارسية أو تركية على السوريين، فعصر التوسع القومي الشمولي بات وراء العالم وأثبتت هذه المنطقة الجغرافية أنها الأوسع هوياتياً ولا يمكن انضواءها تحت احدى قوميات الدول المجاورة، ورغم تصدير الصراعات القومية لعقود على أراضيها لكنها لم تؤدي لاندثار الهوية السورية بل على العكس كانت برهاناً على أنها هوية أصيلة في أرضها يتوجب تمكينها وتحييدها عن الصراعات القائمة لكونها مجال التنوع الوحيد القادر على تحقيق الاستقرار والدفع به قدماً بين الانهدامات الناتجة عن صراع هذه الجهات لآلاف السنين..

 

حياد سوريا هو ضمان لهوية السوريين، هو الغائب الأبرز عن الاجتماعات الدولية والإقليمية، فلا يمثله الأسد كمنظومة منتجة للصراعات ولبؤر الترهيب المتعددة ولا تمثله المعارضة التي تم اختيارها حصرياً من قبل هذه الجهات من منطلق قومي أو أيديولوجي لتحقيق أهدافها. 

 

فالهوية السورية، ليست واحدة مع التركية وليست واحدة مع العربية وليست واحدة مع الإيرانية أو الكردية أو السريانية أو غيرها بل هي سمة منفردة بذاتها تحتوي هذه الهويات جميعها بحكم الإطار الزمني والمكاني الذي نشأت به هذه السمات التعددية، لذلك فإنكارها هو استمرار للصراع بين هذه الجهات والتي لازالت تفرض محاولات التوسع القومي وتتغافل عن مواجهة الحقائق الدامغة، فلعل في الإعادة افادة بأن الشمولية مسار فشل والتعددية مسار نهوض يتوجب اعتماده.

 

سيصطاد البعض في الماء العكر، وتلك سمة المتطرفين عموماً، ليكيلوا الاتهامات لهذا التوجه في حين أنه التوجه الوحيد القابل للحياة في سوريا مُوحدة، وفق تحقيق عوامل جديدة تضمن استقرار شعبها وليس وفق عوامل الافشال والوصاية التي فُرضت على شعبها في بدايات القرن العشرين.

 

اجتماع رباعي إقليمي، أو اجتماع مئوي دولي، يبقى الامر سواء وتبقى الثوابت واحدة، الاعتراف بوجود الشعب السوري وتأسيس دستوره بمنظومة حكم حديثة وبحدود أرضه القابلة للحياة والاستدامة وبرفع الوصاية عن شعبه وبإزالة منظومة الاجرام عن كاهله، فان كان للاستقرار والامن والانفتاح العالمي مقر في الشرق فهو سوريا الحديثة، ليس من منطلق تفضيل سوريا على سواها من الدول لكن من منطلق قراءة التاريخ والواقع وتصدير العبر للمستقبل ومنع اجترار الماضي ونتائجه الكارثية على العالم أجمع،  فالبديل هو سوريا مقسمة بين حدود دول الصراع الإقليمي الغير منتهي مكانياً وزمانياً، تحكمها قوى أمر واقع منسوخة عن نظام الأسد لوأد هوية السوريين وحضارتهم، بديل متردي ليحتفظ به العابثون ويطبقونه في دولهم فلا زال للسوريين أصوات عقلانية تدافع عن هويتها وتنبذ الاجرام وصانعيه ومصدريه، وتمتلك شرعية الانتماء السوري، على ندرته فهو الاقدر على رفع مصالح جميع السوريين دون تمييز بالقومية أو بالمذهب أو بالثقافة ودون اضطهاد ودون مجازر فهو الانتماء الطبيعي دون زيف وتزييف.