الأمم المُتحدة حين تناقض مواثيقها 

 

د. سميرة مبيض

 ١١ آذار ٢٠٢٣

 

رغم أن زيارة موظف في الأمم المتحدة لنظام الأسد ليست الأولى من نوعها، لكنها اتسمت هذه المرة بإيماءات التهنئة المُبطنة التي أغرقت المفوض المختص بشؤون اللاجئين بمحاباة بشار الأسد المُتهم بجرائم وانتهاكات ضد الإنسانية، والذي تسبب بتهجير قسري لنصف الشعب السوري حيث يعتبر رأس النظام المسؤول عن معاناة مئات ألوف السوريين في خيام اللجوء والذين يفترض بمفوض الأمم المتحدة أن يحمل همومهم ويسعى لتأمين حياة كريمة لهم بعيداً عن خيام لا تقي ظلماً ولا تحمي من مرض ولا من جوع ولا من برد ولا من عنصرية متفاقمة. فكانت صورة مهينة ليس للمفوض بشخصه وحسب بل لما يمثله كموظف رسمي في مؤسسة تمولها دول العالم لتعمل على ضمان الامن والاستقرار، وهو ما لا يمثله نظام الأسد، وترافق ذلك بكشف عدة ملفات عن توظيف مُقربين من الدائرة الضيقة للأسد في صفوف القائمين على برامج توزيع المساعدات في سوريا ليُشكك بحيادية هذه المؤسسة تجاه الملف السوري وبالجدوى المأمولة من عملها. 

 

تأتي هذه المُعطيات متوافقة مع كثير من الدراسات العلمية التي رصدت عمل هذه المؤسسة والتراكمات السلبية في علاجها للملفات السياسية والانسانية والتي لم تؤدي أي منها، لغاية اليوم، لنتائج سوية أصلحت من حال الشعوب التي تعاني من تداعيات سياسية في بقعة ما من الأرض بشكل مستدام وثابت، ورغم أن معظم هذه الدراسات الأكاديمية تقدم توصيات لتقوّم هذه المؤسسة من مسار فشلها المستمر لكن لا يظهر أن الأمم المتحدة تعمل على تطوير عملها بل أن الفشل القائم في تعاملها مع معضلات الشرق الأوسط لوحده دليل لا يقبل الشك بكونها لا تسير قدماً رغم اثقالها بأطنان من الملفات والدراسات والمعطيات الكافية لتقديم حلول ناجعة، على العكس يظهر دورها أقرب  لشماعة اللامحاسبة والمماطلة والتسويف وفي القضية السورية تحديداً بهتت القرارات والمواثيق ولم تعد تزيد عن حبر على ورق بعد مصافحة مفوض اللاجئين لبشار الأسد، المتهم وفق تقارير المؤسسة ذاتها بانتهاكات لمواثيق حقوق الانسان والتي تستند عليها هذه المؤسسة في عملها.  

 

يُضاف الى ذلك ما ظهر من عجز متراكم عن معالجة أمور اللاجئين السوريين خلال العقد المنصرم، وخلال أزمة الزلزال، وما ظهر من عجز عن إدارة المفاوضات السياسية وبالأخص منها المتعلقة بالدستور السوري والتي تم ارتهانها لأطراف الصراع الحكومة السورية وحكومات الدول الداعمة لجهات الصراع المُقابلة وتم اخضاعها للتعطيل المتعمد من قبل هذه الأطراف.

 

يقود الأمر بتفاصيله كما بخطوطه العريضة الى التساؤل عن غياب جهة تقوم بالمهمة في حال تقاعس الأمم المتحدة عن أداء دور فاعل في حماية المدنيين، من المسؤول عن الرقابة والمحاسبة في هذه المؤسسات وعلى من يقع عاتق هذه المهمة وبشكل خاص في الدول الخاضعة لحكومات مولدة للإرهاب وللازمات والتي لا تحمي شعوبها كحال سوريا كأوضح نموذج لفشل المنظومة السياسية العالمية اليوم.

 

فلم يعد الامر يتعلق بالحروب وحسب بل يتجاوزه للكوارث الطبيعية، للتراجع الاقتصادي والتعليمي والصحي ولنتائج ارتفاع درجة حرارة المناخ ومسارات الانتقال الطاقوي وعدم تقدم العالم على سوية واحدة في هذا السياق وبعدم جدوى تقدمه بمسارات متباينة على أي حال، فهل ستكون القضية السورية هي الحجر الذي يلقى في بركة التقاعس الراكدة وهل ستحاسب الجهة التي تجاوزت معاناة الشعب السوري ونسقت لتلميع صورة متهم بجرائم حرب، هل ستسعى الأمم المتحدة لاستعادة ما تفقده بتسارع هائل من مصداقية لدى العالم أجمع، والا فما الفائدة التي تنتظر من مؤسسة لا تمتلك القوة الكافية لرفض تلميع من تتهمهم، هي ذاتها، بانتهاك مواثيقها..