الخلافات الايديولوجية بين دول الخليج، ما الأثر السلبي على السوريين في المهجر وعلى التفاعل مع قضيتهم.

د. سميرة مبيض

١٧ آذار ٢٠٢٣ 

نشر موقع ميديابارت الفرنسي الاستقصائي مؤخراً تحقيقاً حول تحركات الإمارات في فرنسا على خلفية الخلافات الأيديولوجية السياسية القائمة بين محور الامارات ومحور قطر، وهو تقرير يلفت الانتباه الى أمر أهم ألا وهو ضرورة  الإضاءة على مسببات تضاؤل القضية السورية نتيجة لصراع هذه المحاور، وعلى مسببات شبه تلاشي مطالب السوريين المُحقة في منظور شعوب العالم قاطبة ومن كان وراء تحويل الثورة السورية الى حدث ينضوي تحت صراع المحاور المذكورة ذاتها ذو الخلفيات الأيديولوجية البحتة، والبعيدة تماماً عن حق الشعب السوري بالحياة.

 

حيث تعتبر لوبيات دول الخليج عموماً ذات وجود متشعب في الأوساط الغربية بحكم العامل الاقتصادي بالدرجة الأولى وما يتبعه من تفاعلات سياسية، هذه اللوبيات التي اتخذت اصطفافات مباشرة في الأوساط الأوروبية بعد انطلاق الثورة السورية مُتعاملة معها من منطلق الاصطفاف الأيديولوجي المسبق بينها ومؤثرة في التفاعل مع السوريين وفق هذه الاصطفافات مما أدى لتقسيم المُعارضة  لمُعارضة قطر ومن يدور في فلكهم ومعارضة القطب المضاد أي الامارات والسعودية وغيرهم ومن يدور في فلكهم، مما أدى لاستبعاد أي منظور مستقل لمطالب الشعب السوري أو أي تمثيل مُعارض مستقل للسوريين خارج أطر هذه الدوائر، فاذا أخذنا بعين الاعتبار إضافة الى ما سبق تأثير اللوبيات التركية والكردية الواسعة الانتشار في أوروبا منذ فترة طويلة وتداخلها مع القضية السورية، ندرك بشكل واضح عوامل تضاؤل المنظور المستقل للقضية السورية والتعامل معها تحت مظلة خلافات متشعبة أوسع لم تؤدي الا الى مزيد من الانتهاكات بحق السوريين وتسويف لقضيتهم والتي باتت هذه الدول فاعل أساسي فيها.

 

لا يقتصر الامر على التفاعل السياسي، بل أن تناقضات هذه الجهات أثرت أيضاً في فاعلية الجالية السورية المدنية في أوروبا بحد ذاتها والتي لطالما تجاذبتها هذه اللوبيات بشكل سلبي يفضي الى عدمية الجهود الساعية لتوحيد مواقف السوريين على مصالحهم، فيظهرون دوماً متنازعين متنافرين وصولاً الى أن يصبحوا متمترسين ضد بعضهم البعض وفق تنازع وتنافر هذه اللوبيات ذاتها ومُحاربين بكليتهم لكل صوت سوري بعيد عن هذه الايديولوجيات.

 

هذا التدخل في شؤون السوريين واستلاب صوتهم امتد بدءاً بالحالة السياسية والتجمعات المعارضة، ومنها نحو انحرافات التسليح للفصائل العسكرية المؤدلجة وما تلاه من تصدير الصراع المسلح على الأراضي السورية، ومن ثم انتقالاً للحالة المدنية ومنظمات المجتمع المدني التي أصبحت تتاجر بمعاناة أطفال سوريا المتضررين والمنكوبين، ومنها لحالة الجاليات السورية والتي يُفترض أن تشكل شبكات دعم للمتضررين ولحقوق الشعب السوري وعوضاً عن ذلك تعمل، عن جهل أو عن عمد، في خدمة خلافات هذه الجهات.

فعلينا اليوم وبوضوح المطالبة بحقنا كسوريين في الدفع بمصالح بلدنا بعيداً عن هذه الجهات وبإظهار الوجه الحقيقي للثورة السورية لشعوب العالم بعيداً عن هذا التشويه، فهذه الدول لم تحترم سيادة واستقلالية الشعب السوري ولم تكف طيلة ١٢ عام عن التأثير السلبي في نيل السوريين لحقوقهم ولنهوض بلادهم وصولاً الى إعادة تأهيل نظام اجرامي ليقتل ويهجر من بقيوا.

 

وفي مقابل تدمير سوريا تنهض هذه الدول باقتصادها وببناها التحتية وبتوافقاتها السياسية وبتحالفاتها الدولية سواء بشكل مفرد أو عبر اتحادات تشكلها فيما بينها، رغم خلافاتها، للتنسيق الاقتصادي والسياسي وهو حق لكل جهة ولكل دولة لكن ليس من حقهم، بعد توريد صراعاتهم لسوريا وبعد فرض إعادة تدوير نظام مجرم، أن يستلبوا أصوات السوريين المدنية والسياسية وأن يزيفوا تمثيلهم وحراكهم المستقل في

دول العالم. 

فهل من تحقيق استقصائي شفاف قادم حول دور هذه اللوبيات، مجتمعة، في تخريب الحراك السوري، مدنياً وسياسياً لنعمل على تحييد كل من ساهم في هذا التخريب، فرغم غياب مؤسسات بحثية ومواقع صحفية استقصائية تهتم فعلياً بالقضية السورية كقضية مستقلة عن التردي الايديولوجي القائم في المنطقة لكن مثل هذا الاستقصاء يعتبر ضرورة اليوم كنتيجة للتدخل الغير مقبول لدول المنطقة في القضية السورية. 

 

 

لتكن المقايضات السياسية القائمة بين هذه الدول وبين نظام الأسد اليوم قطيعة مع

ادعاءاتهم لتمثيل السوريين، في سوريا وفي العالم على حد سواء أما حمل واجب ومسؤولية الدفاع عن الشعب السوري وحماية امنه واستقراره وتنوعه فهي مسؤولية السوريين بعد أن أثبتت هذه الجهات أنهم ليسوا على قدر حفظ الأمن والاستقرار وحسب