الشمال السوري وعدم جدوى المُساعدات والمنازل المؤقتة في مواجهة الكوارث

د. سميرة مبيض  

٢٤ آذار ٢٠٢٣

 

تتابعت الكوارث الطبيعية على المناطق الحدودية بين تركيا وسوريا بعد زلزال شباط الماضي وكان من أبرزها السيول التي تسببت بدورها بجرف وبتخريب بنى تحتية في مناطق عديدة وتضررت كذلك وبشكل كبير المخيمات التي تأوي لاجئين سوريين وزادت من معاناتهم وزادت من ضرورة إيجاد حلول جذرية تقي هذه الفئة من تبعات غياب شروط سوية وسليمة لإقاماتهم والتي لم يعد ممكناً اعتبارها اقامات مؤقتة وعدم جدوى تقديم حلول هشة لهم بموجبها، بل يتوجب إيجاد حالة من الأمن والاستقرار المُستدام لمن دفعت بهم ظروف خارجة عن ارادتهم لترك بيوتهم أراضيهم وأرزاقهم.

 

في هذا السياق تجدر الإشارة الى أن غياب طرف سوري مسؤول عن هذه المناطق يزيد من سوء الأمور وتدهورها وهو أمر لا يمكن استمراره بهذه الصورة، فوفق مؤتمر المانحين الذي جرى في بروكسل مؤخراً كان النظام السوري هو المرشح الوحيد للتواجد عن سوريا وذلك أمر مُستهجن وقد تم الطعن بشرعيته بحكم أنه المتسبب أساساً بمآسي السوريين ومسؤول عن الجرائم التي جرت ضدهم، وكان يُفترض تقديم جهة سورية أخرى، مسؤولة وحيادية، لتسيير أمور هذه المناطق والتي تقارب نصف سوريا ولترجيح مصالح المقيمين فيها وهم ملايين من السوريين والمتضررين بشكل أكبر من الزلزال الذي الم بالحدود بعد عقد من الصراع المسلح. ففي الحين الذي لا تستطيع المؤسسات المعارضة الضلوع بهذه المسؤولية لاعتبارات بتنا نعرفها جميعاً، أدى ذلك الى إحالة ضمنية لهذه المهمة لجهات عديدة منها منظمات تتبع اما لحكومات إقليمية أو دولية لتغطي هذا الدور وذلك لن يقود الا الى مزيد من التشرذم والتمييز القائم على أسس سياسية وقومية ومذهبية وجندرية وغيرها مما قد يضعف جدوى هذا المسار بغياب طرف سوري مسؤول عن إدارة هذه المناطق.

 

 

إضافة الى ذلك فان عشوائية ارسال المساعدات دون  خطة تنظيم متكامل ودون رؤية مستقبلية واضحة لهذه المنطقة هي عامل سلبي اضافي للمتضررين في الشمال السوري والمناطق الحدودية ولنورد على سبيل المثال المنازل المؤقتة أو ما يُعرف بالترجمة العربية بالمنازل الحاويات "container home"

والمصنعة على نسق حاويات الشحن الفولاذية.

 

حيث ترسل دولة قطر هذه المنازل، التي سبق واستثمرتها لاستضافة مشجعي الفرق الرياضية في مونديال كرة القدم الذي أقيم مؤخراً على أراضيها، للشمال السوري لايواء المتضررين من الزلزال، ويتوجب هنا الاخذ بعين الاعتبار أنها وحدات دون أساسات أي أن قدرتها على مواجهة السيول والانجرافات لا يمكن الاعتماد عليها فيتوجب أن تكون هناك فرق هندسية رقابية لتشرف على مكان وضعها وفق خرائط الاخطار الطبيعية مع الاخذ بعين الاعتبار أنها تتطلب ملحقات صحية وتأمين مصادر طاقة فهي لا تحمي من الظروف الطقسية كارتفاع درجات الحرارة أو موجات البرد فالجدران المعدنية تتغير درجة حرارتها سريعاً وتتطلب وجود مصادر طاقة للاعتماد عليها في مقاومة هذه التبدلات ورغم أنها قد تكون حلاً مؤقتاً للغاية لمواجهة أضرار الزلازل لكنها ليست حلاً مستدام بالمطلق وليست ذات كفاءة عالية في مواجهة الكوارث الأخرى ويتوجب وجود متابعة تقنية مستمرة لها كما يتوجب الاخذ بعين الاعتبار أنها وحدات ضيقة المساحة للغاية وقد تخدم عدة مساكن من هذا النوع لإيواء مؤقت لعائلة واحدة  مع التأكد أن المعنيين لا يتعرضون لرُهاب المناطق الضيقة. 

كما ويتوجب التذكير أنه سبق وتم استثمار هذه الحاويات المعدنية اقتصادياً حيث تم تأجيرها خلال المونديال وفق ما أوردته عدة مواقع متعلقة بهذا الحدث أي أنها تشكل اليوم فائض لا يمكن توظيفه في إطار اقتصادي مباشر آخر من قبل الدولة المُرسلة، فهي ليست بأي حال من الأحوال مخصصة لمساعدة المنكوبين من الكوارث الطبيعية بل يُعاد توظيفها في هذا السياق وحسب وهذا التنويه ضروري للغاية قبل أن تنهال أطنان ووفود التشكرات حولها باسم السوريين المنكوبين، فلا فضل لأحد على أبناء وبنات سوريا التي حملت منذ عقود أعباء صراعات هذه الدول وما تسببت به من تدمير مباشر للمجتمع السوري والذي يحمل اليوم نتاج عقد من الصراع ونتاج كوارث طبيعة ونتاج التهجير القسري.

 لذلك، وتبعاً لتتالي كل ما هو مؤقت في القواميس المحيطة بقضيتنا، من الضرورة التأكيد أن مطلب السوريين ثابت ببناء لدولة سوريا الحديثة ذات الأساس المتين التي تنهض بالمجتمع على كافة الصعد بعيداً عن الحلول السياسية المؤقتة المُعرضة لتجرفها العواصف تماماً كهذه الحاويات الضيقة والتي يبقى سقف السماء وتراب الأرض أكثر ثباتاً منها، والتي تذكرنا الدعاية المطروحة حولها بالدعاية الترويجية التي صُنعت في العقد المنصرم للأجسام السياسية الُمسبقة الصنع والمؤقتة هي الأخرى والتي تبين مؤخراً أنها فقاعات لم تستطع الحفاظ على مكتسب واحد للسوريين ولا حمايتهم من عواصف القصف والعنصرية والتهجير وغيرها حتى أنها لم تسعَ لذلك يوماً.