اللامبادرة العربية

 د. سميرة مبيّض

٣٠ آذار  مارس٢٠٢٣

بعد أشهر عدّة من اطلاق ما عُرف بمبادرة عربية ضبابية تجاه الوضع الكارثي في سوريا والتي تتالت تصريحات الحكومات لدعمها يتضح اليوم أن هذه المبادرة لم تتضمن أكثر من استقبالات احتفالية لمن قتل وهجّر ملايين السوريين، ولم تعمل الا على إعادة العلاقات الديبلوماسية وفتح المكاتب القنصلية فوق المدافن الجماعية للسوريات والسوريين، مبادرة تسعى لبناء خطط استثمار اقتصادية للدول المعنية بها على حساب استمرار العقوبات في سوريا بسبب دعم استمرارية منظومة ارتكبت اشد الانتهاكات الإنسانية بحق الشعب السوري، مبادرة تحث على إعادة بشار الأسد لمقاعد الجامعة العربية وتشريع وتبني ما ارتكبه من فظائع بحق سوريا وأهلها، فيمكننا القول اذاً ان هناك هدف واضح ظهر من هذه المبادرة، على الأقل، هو إبقاء السوريين تحت الوصاية باستخدام أداة سلطة فاسدة وقمعية تعمل منذ عقود على تدمير البلد وعلى افقار وتجهيل المجتمع وترسيخ التردي التعليمي والاقتصادي والمجتمعي والسياسي وانتاج واستقبال بؤر الارهاب.

فهي ليست مبادرة للحل في سوريا بل يمكننا اليوم وبوضوح تسميتها باللامبادرة، بأقل تقدير، ففي مضمونها هي مساعي لوأد أي مسار ناهض بالهوية السورية وباقتصاد البلد وبحقوق مواطنيها المنهوبة منذ قرن من الزمن لحساب التغول الإقليمي والدولي والذي بات من مخلفات الماضي ونبذَهُ التطور بشكل بديهي وطبيعي مع بدأ الثورة السورية.

من المستهجن اذاً أن تحصل هذه اللامبادرات على استحسان وتوافق موفد الأمم المتحدة لسوريا فهي لا تحمل أي استقرار للسوريين، فعدا عن تقاطعها مع المسار المسمى خطوة بخطوة، والذي لا زال هدفه ضبابياً منذ سنوات هو الآخر، فقد تقود هذه الجهات لإعادة تدوير المنظومة الاجرامية ذاتها وفق سيناريوهات تفاقم من الكارثة.

السيناريو الكارثي هو هيمنة بشار الاسد على المناطق الخارجة عن سيطرته اليوم والتي تقارب نصف مساحة سوريا بحكم ما يحتمل ان يقوم به من جرائم بحق المقيمين بهذه المناطق، وفي هذه الحال فإن من يتحمل مسؤولية هذه الجرائم ليس الاسد وحده بل الحكومات التي تعيد تدويره وكذلك المؤسسات الدولية التي تتجاهل الضرورة القصوى لحماية السوريين ولمحاسبة كل من انتهك حقوقهم.

 أما السيناريو الآخر الذي تقدمه دول الوصاية فهو في ابقاء هذه المناطق تحت هيمنتها وكموقع لتفريغ الصراعات والحروب البينية القومية والدينية وذلك بتقسيم سوريا بين ما صنّعته من مؤسسات تحت مسمى معارضة تابعة وبين منظومة الاسد ضمن نفس اطر المنظومة المتردية وانتهاكاتها  بحق السوريين. 

 

 يمكن لان سوري عاقل ان يلحظ بشكل مباشر أن السيناريوهات المتضمنة باللامبادرات تسعى لتحقيق مصالح هذه الدول وتناقض مصالح السوريين وتمنع اي استقرار آمن في المنطقة، فمن هذا المنطلق الكافي والوافي فإن رفض هذه المبادرات حق كل سوري وسورية تضرروا من عقود الهمجية التي فرضت على دولتهم وتضرروا من قوى امر الواقع الرديفة للمنظومة القديمة وتضرروا من الانتهاكات الانسانية ومن التهجير القسري وتضرروا من نهب الموارد السورية وغيرها الكثير مما تم الكشف عنه وتوثيقه مما اصاب سوريا أرضًا وشعباً. 

لكنه ليس رفضاً خالي الوفاض، بل هناك حلول واقعية ترعى مصالح السوريين بالأولوية وقابلة للتطبيق ولإحلال الامن والاستقرار بشكل مستدام، انطلاقًا من المناطق التي يتمسك اهلها بحقهم في الحياة وبتحييد قوى امر الواقع الكارهة للسوريين وبوضع اسس بناء دولة سوريا الحديثة، التي تحترم مواطنيها على درجة واحدة من المساواة دون تمييز عنصري قومي او مذهبي او جندري او سواه والتي تضمن موقعاً ندياً وداعماً لنهضة الانسانية في الإقليم  وعلى الصعيد الدولي دون انحرافات ايديولوجية وسلطوية لطالما  اثبتت فشلها وانعدام قدرتها على ضمان الامن للمدنيين والمسالمين.

فالتمسك بحقوق سوريا وبنائها حصري بأيدي بنيها وبناتها هو المسار الطبيعي والمشروع وليس في هذا المسار مكان لما يرمى من مبادرات كلامية هنا وهناك ولا لداعميها، بل يمتلئ المسار بعمل المخلصين  المؤمنين بحق الجميع بالحياة الكريمة.