ثورة، بل هي شعلة حق سورية تعمّ دول المنطقة

 

د. سميرة مبيض

٢٧ كانون الثاني ٢٠٢٣

اثنا عشر عاماً منذ نهض الشعب السوري، وثابر بمواجهة رفض عارم لاستقلال كلمته وبمجابهة ظلم همجي لمنع تحرره واستسلم كثيرون لمقولة أن الثورة اغتيلت، بالسلاح وبالفساد وبالارتهان وبالتبعية وبالتطرف وغيرها من سموم رُميت على دربها وتوهم آخرون بأن الشعب السوري سيعود لقمقم القمع والتجهيل في ظل المنظومة القديمة وسيرضخ لتهديد ووعيد الموت، الا ان شعلة الثورة لم تخلو من جذوة حق استمرت بذاتها فأحالت السموم رماداً.

 

وها هي اليوم لم تنطفئ في سوريا بل يمتد شعاعها لإيران ولبنان والعراق وغيرها من البلدان التي كانت تعوم لعقود طويلة على الزيف وتغرق في مستنقعات تحلل القيم الإنسانية، فلا عزاء لمن كان ينتظر دفن ثورة وربيع شعوب المنطقة، فقد ثبتت وأثبتت أن تحت الركود القسري الطويل الأمد كمون هائل لشعوب حيّة خرجت اليوم للنور ولفظت ما فُرض عليها من سياسات مُنحرفة ونظم بائدة متردية النتاج على كافة الصعد.

 

 فالحراك في هذه الدول لن يتوقف الا بنيل الشعوب لمطالبها المُحقة، وتلك ليست تنبؤات أو تحليل سياسي بل هي قراءة للعوامل المُتضافرة اليوم والتي تفتح الطريق واسعاً لتغيير النظم القائمة بناء على تغيرات عالمية، ليست بسياسية وحسب، بل هي تغيرات مواكبة لتطورات اجتماعية، تقنية، اقتصادية، طاقوية، صحية وبيولوجية وسواها. 

 

فلا يمكن في هذا السياق فصل الحراك في إيران على سبيل المثال عن سعي النظام الإيراني لامتلاك مصادر الطاقة النووية، بينما يتطلب عصر الطاقات النظيفة القادم حكومات عاقلة تحسن استخدام كمون الطاقة الجديدة، وذلك لا ينطبق على النظام الإيراني الحالي، فهو يشكل نموذجاً للمنظومة الأيديولوجية التي تسخّر كافة مقدرات البلاد لخدمة توجه أيديولوجي مما يطعن بمقدراتها في الاستخدام الآمن لأي تقانات تسعى لامتلاكها ويدفع بشكل مباشر الى تغيير سياسي عبر حراك مدني سيفضي فعلياً لتشكيل تدريجي للمنظومة الحديثة. في حين ينطلق الحراك من لبنان من مرتكز محاربة الفساد والمحسوبيات ورفض التقاسم القائم على الزعامات ذات الخلفية الايديولوجية أو الدينية، والمرتبط بدوره بالمنظومة الإيرانية الحالية وبعموم النظم القائمة في المنطقة وفي العالم على ذات النهج. بينما يظهر الحراك في العراق كحراك شاب أدرك الدوامة التي تدور بها البلاد منذ عقود ويشق مخارج عديدة لإنهائها وسيفعل لكونه يستند على فشل السياسات القائمة في هذا البلد على كافة الصعد وعلى ما ضاق به الشارع ذرعاً من الصراعات الغير

منتهية التي ولدتها وتولدها هذه السياسات. 

 

بالعودة الى سوريا، ومنها المنطلق والمصب، فقد باءت جميع المحاولات بإعادة تأهيل منظومة بشار الأسد

بالفشل، فشل اقتصادي يعم مناطق سيطرته، فشل سياسي يتجلى بعدم الاستقرار والاحتجاجات المستمرة والقابلة للتصعيد في أي وقت وفي جميع المناطق السورية، فشل بالحصول على الشرعية فيما يقارب نصف البلاد في حين يسيطر على النصف الآخر منها بالزيف والتزوير. فإرادة الشعب السوري اليوم، هي جزء من إرادة شعوب المنطقة بعمومها ونظام الأسد جزء لا يتجزأ من نفس المنظومة الإيرانية والتغيير الجارف الذي انطلق في إيران ولبنان والعراق يعتبر حراكاً ضد نظام الأسد أيضا، فإرادة ببناء الدول الحديثة وفق معايير مواطنة سوية وصلبة باتت مطلباً راسخاً في هذه الحقبة في عموم انحاء العالم وفي هذه

البقعة الجغرافية تحديداً. 

 

فلا بد اذاً أن يأخذ العالم بعين الاعتبار أن القضية السورية، لم تعد حصراً على الشعب السوري اليوم بل

هي قضية شعوب المنطقة برمتها بقومياتها المتعددة وأديانها ومعتقداتها المتنوعة.

وهي المناسبة لتذكير كل من يعمل بالملف السوري، وبالأخص بالتزامن مع احدى الزيارات المكوكية للمبعوث الدولي لنظام الأسد وتصريحاته بأن سوريا مقسمة، ومع مساعي تركيا والسعودية وسواهم لإعادة تدوير هذا النظام وتبعياته الكارثية، ومع المساعي الدولية لفرض التشكيلات المعارضة الهزيلة كالائتلاف وهيئة التفاوض وامتداداتهم على الشعب السوري، للتذكير بأن القسمة المصطنعة بالإيديولوجيات البائدة قد فشلت فالأجدى أن يكون التغيير هو الهدف والاجدى أن تكون الهوية السورية التعددية ملهمة للتغيير السلمي فلن تكون مساعي التقاسم بين المعارضات ومحاورها الإقليمية والدولية والنظم القديمة الا مسبباً لاضطرابات ونزاعات إضافية لن تستثني أحداً في المستقبل، فعسى أن يدرك العقلاء أن الزمن تغير وتغيرت معه الأدوات والمقاصد ليستطيعوا مواكبة الحاضر ويشاركوا في بناء الغد.