زلزال الحدود..هل يدعونا للتفكر

 د. سميرة مبيض

٦ شباط فبراير ٢٠٢٣

تتالى صور الانهيارات والتصدعات الناجمة عن الزلزال الذي اصاب المناطق الجغرافية على الحدود السورية التركية وصور المباني التي تفقد صلابتها وتتهاوى كأبراج رملية وهرولة الباحثين عن صرخات الحياة تشابه تلك التي رأيناها في حالات القصف والدمار الناجم عن الحرب والصراعات المسلحة ليكاد يتطابق المشهد على الناظر داعياً للتساؤل عن مدى حماقة صانعي الحروب ومموليها والباحثين عنها وكأن ما يحيط بالإنسان من مخاطر وكوارث طبيعية لا يكفيهم.

 

يدعو ذلك ايضاً لوضع مهمات الدول والمسؤولين تحت المجهر، على الاخص أن الكوارث الطبيعية لا تقتصر على زلازل متباعدة بل هي في انحاء عديدة من العالم تتفاقم في ظل ارتفاع درجات حرارة المناخ لتشمل فيضانات وعواصف ثلجية واعاصير وجائحات وبائية وسواها مما يتطلب خطط وقاية مسبقة تحتل الاولوية اليوم وتتطلب تكريس موارد بشرية وكفاءات وموارد اقتصادية ودعم التقنيات الحديثة القادرة على مساعدة البشرية في تفادي نتائج مثل هذه الكوارث والحد من مخاطرها

 

فهل تُعيد البشرية تعريف مهام الدول بناء على ما يحيط بالمستقبل من تحديات، يعود بنا ذلك الى الوضع في سوريا، تحت وطأة حكم لا يمنح اي اولوية لمصالح الناس أو أمنهم أو استقرارهم، ما الذي تستطيع هذه الحكومة تقديمه اليوم للعالقين تحت الانقاض أو لمن يحتاج للمأوى أو للعلاج بينما تكرس ميزانية الدولة بمعظمها لدفع ثمن السلاح وأتاوات الميليشيات الترهيبية ذات المسميات المتعددة التي تضطلع بحماية الفاسدين وتهدر الموارد السورية في شبكة زبائنية كمقايضات لبقاء المنظومة الحالية في الحكم، فماذا يبقى لدعم غذاء وامن وصحة واستقرار المواطنين، ومن سيثق بحكومة من هذا النوع لتوزيع مساعدات إنسانية نجدها في السوق السوداء أو توزع بالمحسوبيات والوساطة.   

 

هذا ما يتوجب على السوريين ادراكه اليوم في سياق مسارهم الساعي للنهوض بسوريا، أن المستقبل يتطلب حكومات غير فاسدة وهنا يفرض التغيير السياسي نفسه كمسار حتمي لان بنيوية النظام الحالي لا يمكنها الاستمرار دون الاتاوات ودون المقايضات ودون التقهقر المتعمد بالمجتمع، فبمجرد زوال هذه العوامل تزول المنظومة بحد ذاتها فهي عوامل وجودها واستمراريتها كأي حكم شمولي مستغل لمقدرات البلد والشعب

 

فهل يدفعنا الزلزال للتفكير، كيف سيواجه الشعب السوري المستقبل، بأي إمكانات وبأي مقدرات وجميعها منهوبة، هل يدفعنا للتفكير ما مغزى التمسك بأي تيارات ايديولوجية لا تحمي طفلاً ولا تبني بيتاً ولا تنتج دواءً ولا تنبت شتلة، يدفعنا للتفكير بانعدام فائدة البندقية والدبابة والمدفع في رفع الانقاض ونشل الاحياء واعادة البناء.

 

لطالما قدمت الطبيعة أقسى الدروس للبشرية، ولطالما كانت دافعاً للتطور دون هوادة، فهل تدفعنا اليوم لمسار انساني أكثر عقلانية. هل تدرك الشعوب أن اختيارها لحكوماتها يتوجب ان يقوم على قواعد رشيدة ضامنة للاستقرار والامن، وهل تدرك الدول أن تحديات المستقبل أجدى من سباق التسلح وهل تكفي هذه الدروس لإنهاء عصر التفاهة والالتفات لحماية الاجيال القادمة.

 

كذلك قدم لنا الذكاء الاصطناعي والعلم والعقل فرص التنبؤ بمثل هذه الكوارث بهدف تجنب تداعياتها، رغم ذلك لا زال كثيرون يتكبرون، يتجبرون، كفقاعات شائكة ينكرون أهمية هذه التوجهات ويلحقون بالمظاهر الزائفة عوضًا عن تمكين المجتمعات من ادوات الحماية والتطور، وهي عديدة اليوم منها النمذجة الاستباقية وخرائط المخاطر ووسائل العمران المتطور وغيرها، أسئلة كثيرة نطرحها على أنفسنا في مواجهة الحدث وغضب حزين يجتاح النفوس، يدفع كل عالم وباحث وعاقل للعمل، ليكون التغيير كما يستحقه الأسوياء، نحو سياسة عالمية تحترم الحياة وتحميها أينما وُجدت.