سوريا، الغائب الحاضر في المنتدى الاقتصادي العالمي 

د. سميرة مبيض

٢٢ كانون الثاني ٢٠٢٣

 

تشكل القضية السورية اليوم مقياساً للدلالة على السياسات المتوازنة من عدمها، فهي تمثل أكبر كارثة إنسانية موثقة في العصر الحديث على كافة الصعد وبالأخص على صعيد الصراعات المُسلحة والأيديولوجية والتي عملت دول عديدة على تصديرها للأراضي السورية دون رادع مُتعاونة مع نظام زبائني ثبت ارتكابه لجرائم انتهاكات انسانية على الصعيد الدولي وظهر بوضوح فشله في حفظ أمن وسلام الشعب السوري وما يؤدي له هذا الفشل من منعكسات سلبية على صعيد المنطقة والعالم.

 

رغم ذلك، وبعد اثني عشر عاماً من انطلاق ثورة السوريين وما ثبتوا عليه من تمسك بحقوقهم الأساسية وبضرورة تأسيس الدولة السورية الحديثة كجزء لا يتجزأ من هذا العالم، لازالت قضيتهم تتداول بغير أيديهم وليست تصريحات وزير الخارجية السعودي الأخيرة المتعلقة بسوريا على هوامش المنتدى الاقتصادي العالمي الا مؤشر إضافي على ضرورة استعادة السيادة على القرار السوري، فرغم ما اتسمت به هذه التصريحات من ضبابية بما يتعلق بالسياسات القادمة للمملكة العربية السعودية تجاه نظام الأسد لكنها لم تخفي إمكانية الحوار مع النظام مُلتحقة بشكل غير مباشر بالموقف التركي، وقد يُفسر الكثيرون اليوم هذا التوجه بسعي الحكومة السعودية لتحقيق مصالحها وبشكل خاص فيما يتعلق بإدارة صراعها مع دول أخرى في المنطقة وتحقيق مصالحها الاقتصادية وسواها، وهو أمر مشروع بكل تأكيد، لو لم يكن على حساب دماء الشعب السوري ومعاناته طويلة الأمد.

 

فمن غير المشروع لا سياسياً ولا انسانياً أن يتم تحقيق مصالح أي دولة عبر تدوير منظومة سعت لعقود طويلة لتدمير سوريا واقتصادها ووأد هويتها التعددية ومنع نموها وتطورها الطبيعي، ليس ذلك بغير مشروع وحسب بل هو سقوط ووصمة لأي منظومة تتبناه، وليس وروده في إطار المنتدى الاقتصادي العالمي الا عبارة عن شرخ اضافي بين المشاركين في هذا المنتدى وبين شعوب العالم المتطلعة للمساواة والنهوض الاقتصادي المُتكافئ والعادل في العالم.

 

بينما لازالت هذه المنظومة تتعامل من منطلق الوصاية المالية أو الإيديولوجية لشعوب على شعوب أُخرى، مُتجاهلة أن العالم قد تغير بعمق هائل لم ولن تجاريه هذه السياسات، وأن الثورة والذكاء الرقميين والتغيرات المناخية وتأثيراتها والجائحات الوبائية وسواها الكثير من عوامل اليوم، والتي تغيب عن أفقهم ضيق المدى، هي عوامل ناهضة بالمساواة الإنسانية ودافعة بها قُدماً لا يقف بوجهها أي عائق، فكيف ونحن نتحدث عن سوريا وشعبها.

 

فلعل رد الفعل البديهي لأي سوري على هذه التصريحات أو لسواها من تصريحات مسؤولي الدول المجاورة لسوريا هو التساؤل عن سبب سعيهم  لمنع نهوض الدولة السورية، رغم أن حياد سوريا عن صراعات الجوار هو أمر بديهي بحكم طبيعة تنوع البُنى المُجتمعية ضمنها وهو عامل استقرار لا غنى عنه لاتمام استقرار المنطقة وتحقيق أمنها. 

 

وبعيداً عن التكهنات فالإجابة على هذا التساؤل تحملها التراكمات السلبية للمنظومة القديمة التي تأسست بعد الحروب العالمية مبنية على اغفال سيادة الدولة السورية بكل أركانها، وادراجها تحت الوصايات المتعددة تحت مسميات قومية، دينية، اقتصادية، الموارد الحيوية، التيارات الأيديولوجية. ..الخ والقائمة تطول وطول هذه القائمة يفسر ما ظهر على الساحة السورية في الاثني عشر عاماً الماضية ويُفسر تشابك وعطالة المعارضات السورية ويفسر عامل الزمن الذي احتاجه السوريون لفهم ما حلّ بمجتمعهم من جمود وتقهقر والأهم أنه يضيء على المسار الوحيد القادر على تجاوز هذه التراكمات وهو التأسيس لدولة سورية حديثة قادرة على مواكبة النهوض العالمي وضليعة به.

 

ولتكن رسالة واضحة لجميع الساعين لمنع نهوض سوريا، الشعب السوري دفع ثمن حريته ولا عودة بالزمن فهي سُنة الحياة وقواعدها الثابتة، والسوريون اليوم نابذون لكل ما يشوه هويتهم وحقيقتها وعلى رأسها مساعي ربطهم بنظم بائدة، لم يكن لها أن توُجد أساساً لولا قراءات جاهلة ومُنحرفة وغير علمية للمنطقة، نظم بائدة لا مكان لها في المستقبل لحسن مصير الشعوب، فلا طائل من إعادة التدوير بل هو حمل وزر انساني ثقيل وحسب، تبقى كلمة الحق وان كان لكل اختياره.