على صدع الزلزال أيضاً، تعود مُبادرة خطوة بخطوة للمبعوث الدولي 

د. سميرة مبيض

١ آذار ٢٠٢٣

جرم جديد لعله لم يدرج بعد ضمن لوائح الانتهاكات ضد الإنسانية، سابقة يرتكبها نظام الأسد عبر قصف مناطق متضررة من كارثة طبيعية، في حين اعتادت الدول أن تتضامن مع المتضررين من الكوارث وأن تلتزم بوقف إطلاق النار في مناطق الصراع الواقعة في نطاق الكارثة، انتهك نظام الأسد هذه القاعدة البديهية واستمر بقصف مناطق تعرضت لهزات أرضية مما فاقم من الأضرار المباشرة للمقيمين في هذه المناطق وهم بمعظمهم من المُهجرين قسرياً من بيوتهم تحت القصف والترهيب من ذات هذه المنظومة كارثية النشأة والنتائج. إضافة الى القصف المتعمد تم رصد نهب متعمد للمساعدات المقدمة للمتضررين من الزلزال، مما يشكل بدوره جريمة مُستحدثة هي الأخرى في ظل نظام مولد ومُصدر للأزمات وللجرائم في المنطقة وفي العالم.  

 

ورغم اثبات كافة هذه الوقائع من قبل السوريين والمنظمات المختصة برصد ومتابعة هذه الانتهاكات، ورغم تغطية الإعلام والتقارير المدنية لهذه الانتهاكات لكن ذلك لم يمنع المبعوث الدولي لسوريا، السيد بيدرسن، من أن يدلي بتصريحات متأخرة بالكامل عن واقع هذه الأحداث الكارثية والتي يستمد عناصرها من زمن ما قبل الزلزال ليعمل على إعادة طرح مبادرته المُسماة خطوة بخطوة على صدع الزلزال الكارثي هذه المرّة، تلك المُبادرة التي لم تقدم في حينها أي دفع للعملية السياسية فما الذي سيُفيد السوريين إعادة طرحها اليوم، وأين رأى المبعوث الدولي تدابير بناء ثقة متبادلة بين نظام يقصف ضحايا كارثة طبيعية وبين مُعارضة لم تستطع الخروج عن ارتهانها لدول داعية لإعادة تدوير هذا النظام ذاته.

 

في الواقع فان استخدام الزلزال لمحاولة طرح مبادرة سياسية تمنح الأفضلية لتقارب أطراف الصراع على حساب الضحايا، يجعل من الضرورة القصوى اليوم طرح التساؤل حول الخلل الواضح في الحيادية السياسية المطلوبة من قبل مؤسسة الأمم المتحدة ومبعوثيها للقضية السورية، فحتى في إطار كارثة طبيعية هائلة كالزلزال، لم يتم تسمية الوقائع بمسمياتها الحقيقية من قبل هذه الجهات، ولم يتم الإشارة لمرتكبي الانتهاكات بوضوح ودون مواربة، بل استمرت مقاربة الحل منحازة لمنظور المُتسببين أساساً بهذا التردي في سوريا.

 

حتى أن المبعوث الدولي يدعو بشكل ضمني في تصريحاته الأخيرة الى استخدام نموذج الاستجابة الطارئة التي أحدثها الزلزال كنموذج لمعالجة الأزمة العميقة في سوريا، في دلالة واضحة الى رفع العقوبات عن نظام الأسد والى كسر العزلة عنه والتي تقودها عدة دول اقليمية، مع الإشارة الى أنه سيحتاج للاعبين الرئيسيين للعمل لإيجاد حل، وسمى ضمنهم جميع المحاور الإقليمية والدولية وتغافل عن واقع أن الحل ان لم يكن سوري فلن يكون حلاً بل هو مقايضات سياسية بين المتصارعين على الأراضي السورية. وللحقيقة فان نموذج المُقايضات السياسية هو نموذج تعتمده الأمم المتحدة منذ تأسيسها في حل الصراعات وليس حصرياً بالقضية السورية، وهو نموذج لم يؤدي لغاية هذا اليوم لإحلال السلام في أي منطقة من العالم، بل على العكس من ذلك تماماً لذلك فمن المستهجن أن يُعاد طرحه وتكراره رغم الفشل الذريع لهذه الآلية في تقديم حلول جذرية للأزمات. 

ورغم أن هذا الانحراف عن الحياد قد ظهر مراراً في مسار الاثني عشر عاماً التي حملت ثورة السوريين ومعاناتهم لكنه اليوم مُضاعف الأثر، في زمن تساقطت فيه أقنعة الحكومات التي ادعت دعم الثورة السورية وتسعى اليوم، تحت ذريعة الزلزال أيضاً، لتدوير منظومة إجرامية أشد وطأة من أي كوارث طبيعية.

 

في مواجهة هذا الواقع لا بد للسوريين الداعين للتغيير الجذري في سوريا من خطوات عملية، أهمها التوثيق القانوني لأي انحراف عن الحيادية من قبل المؤسسات الدولية الضليعة بالشأن السوري، ومن ثم توثيق جميع مساعي التطبيع مع المنظومة الاجرامية لأن من يحابي أي جهات همجية متواطئة مع الارهاب سيحمل مسؤولية قانونية عن ما تسببت به من انتهاكات أيضاً، ومن ثم توثيق الدروس كي لا ينجرفوا في الألاعيب السياسية من جديد وتحت أي مسمى، وأخيراً التمسك والثبات على مطلب النهوض بسوريا فهو مطلب مشروع ومستحق ضمن مسار انساني أعم وأشمل ولا يمكن تحقيقه الا بظل نظام حكم سوي وعاقل وهو مطلبنا لبناء المستقبل وتأسيس دولة القانون والمواطنة في سوريا الحديثة.