في ضرورة تأسيس إطار جامع لدول بلاد الشام. 

 

د. سميرة مبيض

١٥ شباط ٢٠٢٣

 

أربعة دول من المنطقة الجغرافية لبلاد الشام، دولتين من شبه الجزيرة العربية ودولة من منطقة شمال أفريقيا، هو القوام المؤسس لجامعة الدول العربية، والتي قارب عمرها الثمانية عقود، وقد شهدت خلال العقد الأخير منها على الحراك المدني الواسع الذي نهض في عدة دول في المنطقة منها سوريا، العراق ولبنان.

 

ورغم أن هذه الدول الثلاث تشكل، مع الأردن، أكثر من خمسين بالمئة من قوام الدول السبع، الأعضاء المؤسسة للجامعة العربية عام ١٩٤٥، لكننا لا نجد لها أي ثقل حقيقي لتستطيع عبره تحقيق مصالح شعوبها المُتضررة لعقود طويلة من منظومة الحكم التي فُرضت على منطقة المشرق تحت تسمية تسويات ما بعد الحروب العالمية والتي أغفلت حقوقاً أساسية لشعوب هذه المنطقة في هويتها وأرضها ومواردها، اغفال نقرأ تأثيراته الكارثية لغاية هذا التاريخ.

 

وها نحن اليوم وفي مسار مراجعة الزامية لمواقف دول العالم قاطبة تجاه حراك ومطالب محقّة يقودها أبناء هذه المنطقة الجغرافية، مُراجعة تفرضها حالة الانتهاك الغير مسبوق لمواطني هذه البلدان لما يُقارب قرن من الزمن وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنة السوية وانكار هوياتهم المتنوعة وتجميد التطور والتقدم وفرض بؤر ترهيب وتجهيل وترويع وصراعات مسلحة على أراضيهم، لا بد لنا اذاً من النظر لمصائر دول منطقة المشرق المُتشابهة معاً والتي تدمرت اقتصادياً ومُجتمعياً وتعليمياً خلال العقود الماضية رغم امتلاكها لموارد بشرية وطبيعية هائلة ولمواقع جغرافية استراتيجية، ورغم ذلك تسودها اليوم الحروب وانعدام الاستقرار وفشل المنظومات الجاثمة على تراب أراضيها.

 

فلماذا يغيب لغاية هذا العصر مجلس مشترك لدول المشرق ومنها العراق وسوريا ولبنان والتي تتقارب فيها الثقافات بشكل كبير وتتجاور جغرافياً بما يسمح ببناء كتلة تعاون اقتصادي ذات ثقل مؤثر سياسياً واجتماعياً وبما يدعم نهوض هذه البلدان وتحقيق مصالح شعوبها لتمد يد الانفتاح لاحقاً لدول أخرى سواء من الجامعة العربية أو من خارجها للتعاون من منطلق الندية والتساوي وليس من منطلق الوصاية والتبعية، لا السياسية ولا الاقتصادية، كما ساد خلال عقود ماضية في ظل نظم شمولية. 

 

فعلى الرغم من أحقية مطالب الشعوب في هذه الدول، ذات التنوع الاثني والحضاري الهائل، لكنها لم تلقى دعم حقيقي في من دول الجوار سواء ضمن جدران جامعة الدول العربية أو خارجها بل نرى اليوم تطبيعاً مباشراً من حكومات المنطقة مع نظام الأسد المُرتكب لأشد الانتهاكات الإنسانية بحق الشعب السوري، تطبيع يجعل من مسؤولي هذه البلدان شركاء في جميع الجرائم التي ارتكبها هذا النظام أما الدول التي لم تطبع بعد او طبعت بشكل غير مباشر فهي قد عملت على تدمير حراك السوريين خلال العقد المنصرم عبر توريد مقاتلين وأسلحة ومرتزقة تحت رايات تيارات دينية وايديولوجية غريبة فرقت بين السوريين وثورتهم، فالمحصلة اليوم لمواقف دول الجوار تجاه قضية السوريين هي محصلة سلبية بالمطلق. 

 

فالدول تتوجه كل منها لمصالحها وبشكل خاص المصالح الاقتصادية فنجد اليوم أن دول الخليج  قد حققت نهوضاً اقتصادياً اعتماداً على ثرواتها النفطية وقد شكلت، خارج نطاق الجامعة العربية، مجلس تعاون خليجي ترعى فيه مصالح بعضها البعض الاقتصادية والتجارية وتنسق مواقفها السياسية تبعاً لها، كذلك شكلت دول المغرب اتحاداً للمغرب العربي والتي ترعى وتنسق ضمنه لمصالح بعضها البعض، وكذلك شكلت دول عربية في جنوب المتوسط اتفاقية أغادير لدعم نشاطاتها الاقتصادية مع أوروبا، وكذلك فعلت دول أفريقية بتشكيل مجالس اقتصادية وتنموية مشتركة، في حين لبثت الدول الأشد تضرراً في المنطقة، دول شرق المتوسط، كمساحة مشاع تفرغ ضمنها الصراعات المُسلحة والتي تدور على أراضي سوريا ولبنان والعراق بشكل رئيسي وباستخدام المال والتسليح والامتدادات الأيديولوجية لدول عدة.

 

لكن هذا المآل لا يمكن أن يستمر، حيث خلقت الثورات الشابة الحيوية منظوراً مختلفاً يهتم بأوضاع هذه البلدان الداخلية، وسينأى بها ذلك تدريجياً عن الصراعات المفروضة لتستعيد المنطقة توازنها مستقبلاً عبر استعادة الحلقة المُغيبة، كتلة المشرق، فهي وان لم تؤسس بشكل رسمي، لكنها نشأت بوحدة المصير عبر الحراك المُتشابه والمطالب المتطابقة لشعوب هذه الدول، مطالب ناجمة عن تاريخ ظلم مشترك وتراكم أخطاء سياسية هائلة قد آن لها ان تنتهي وأن يتم التأسيس لمستقبل مختلف، تحترم فيه دول المنطقة تنوعها في موقعه وتشابهها في موقعه أيضاً وتحوله لأداة نهوض مشترك وليس كأداة استغلال وهيمنة، فهو عصر التغيير لمن ابصر ولمن آمن بمبدأ احترام حق الحياة أينما وجدت.