لن أكتب عن اليوم العالمي لحقوق المرأة

د. سميرة مبيض

٨ آذار ٢٠٢٣

 

لن أكتب عن اليوم العالمي لحقوق المرأة، فقد بات مثله كمثل كثير من التواريخ التي تطلق عليها أسماء رنانة وتكرر ضمنها شعارات زائفة بينما يسير محيط الفئات المعنية بهذه الحقوق في مسار آخر، بات هذا اليوم مُشابهاً ليوم الأرض في زمن التلوث ويوم الطفل في زمن الحروب ويوم العمل في زمن الاستغلال وغيرها وسواها مما يُفترض أن تكون تواريخ هدفها الدفع قدماً بقرارات حقيقية ذات أثر ملموس ومباشر بواقع هذه الفئات، باتت مناسبات لهباء الكلمات وكادت تتحول، كالمناسبات الدينية، لبطاقات تهنئة ووجبات طعام وزينة وأهازيج واحتفالات لا يذكر بها مغزى المناسبة ذاتها، فهل تقرصَنَ اليوم العالمي لحقوق المرأة من قبل منظومة التفاهة العالمية هو الآخر أم أن الجوهر لبِث عصياً عن النهب، وفي هذه الحال ما هو التيار الحامل لحقوق المرأة اليوم فعلاً دون تسييس واستغلال من قبل منظومات رافضة لمبدأ المساواة ذاته.

 

فلا بد أن نذكر أن جوهر العمل على ضمان حقوق المرأة ليس بالمطالبة بمساواتها مع الرجل بل هو العودة بالإنسانية لمسار التوازن، هذا المسار الذي اختل بشكل هائل منذ هيمنة الفكر الذكوري على العالم، وهو فكر لا يتعلق بالنوع الجندري بالمناسبة لكن هذا سياق بحث آخر لن ينضوي ضمن هذه السطور، فهيمنة الفكر الذكوري على العالم تبعها تشويه للمفاهيم الدينية والشرائع القيمية بداية ومن ثم تشكيل المُجتمعات والنظم السياسية ببنية قائمة على الاستغلال في أحسن حالاتها ومتقهقرة نحو الهمجية والقمع والتعذيب والصراعات المسلحة في تجلياتها الأكثر تطرفاً، وتشكيل منظومة تعتمد القوة المادية وتحارب  الطبيعة والفكر والعقلانية والتطور المتنوع للحياة، وقد باتت اليوم تستهدف الحياة ذاتها، وهنا تكمن نقطة الانعطاف بين مسار سوي وآخر منحرف لمستقبل البشرية على كافة الصعد وليس لمستقبل النساء وحسب. 

 

فبالعودة لسؤال ما هو التيار الحامل لحقوق المرأة اليوم، الإجابة الواقعية هي أنه لا يوجد فعلياً أي تيار لم يندرج في أطر المنظومة القائمة بأطرها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، المُحافظة، الليبرالية، اليسارية واليمينية، الدينية والعلمانية وغيرها، فاليوم توجد نساء رائدات بالدفاع عن حقوق النساء وتوجد أدمغة حرة مُفردة، لكن لا يوجد تيار جماعي حامل لحقوق النساء ضمن التيارات السياسية أو الاجتماعية، فحتى النسوي منه هو تيار تأدلج ضمن إطار سياسي أوسع وباتت سلوكياته تسيّر بناء على قواعد المنظومة النابذة للنساء ذاتها. 

 

تبرز هنا قاعدة التغيير الجذري كقاعدة أساسية في حال التدهور الإنساني القائم اليوم على مستوى الحقوق والحريات فالتغيير سعياً للدفاع عن حق الحياة وحقوق المرأة هو وحدة واحدة غير منفصلة، فكل ما وكل من لا يحترم المرأة لا يحترم الحياة والعكس صحيح، وتبرز مع هذه القاعدة ضرورة وجود تيار عالمي يحقق هذا التوازن، بفكر حيادي تجاه الانسان متحرر من ايديولوجيات الزمن السابق. 

 

تأسس مثل هذا التيار هو خطوة حتمية في مسار التقدم البشري، فمحيط الانسان اليوم من أدوات الذكاء الاصطناعي والانتقال الطاقوي والدفع البيئي الإلزامي نحو تغيير سلوكيات البشرية هي عوامل حليفة لمسار التنوع والتوازن ومن ضمنه حق الحياة السوية وحقوق المرأة وتحجيم التغول مهما كانت أصوله ومسالكه، فحماية الإنسان وتميزه الفردي وحماية الحياة بكافة تجلياتها وتنوعها و حماية الأرض بما تحمله وتمثله يبدو أجدى من شعارات يتم تداولها منذ عقود دون فاعلية، هدف يستحق أن تتضافر لأجل تحقيقه التقانات الحديثة مع ما نصطفيه من ارث المرأة في الطبيعة والإنسان وهو جوهر الحياة إذ يختصر الاستمرارية والتطور معاً.