مُقاربة بين محاكمة ترامب وصفقاته للسلام.

د. سميرة مبيض

٧ نيسان  ٢٠٢٣

 

لم تأتِ الذكرى السنوية الثالثة بعد لإحدى اتفاقيات السلام مع إسرائيل في المنطقة، تلك التي وقعتها حكومة الامارات في خريف عام ٢٠٢٠ برعاية الرئيس الأميركي الأسبق ترامب، حتى اندلعت مواجهات عسكرية تظهر هشاشة هذه الاتفاقات أو بالأحرى هذه الصفقات الموقعة بين الحكومات وعدم قدرتها على بناء وحفظ الأمن والاستقرار. ففي الوقت ذاته الذي يمثُل فيه عراب هذه الصفقات أمام محكمة بلاده مواجهاً تُهم تتعلق بدفع الرشاوي خلال حملته الانتخابية، تندلع هذه المواجهات العسكرية التي تدفع مفكري العالم أجمع للتمعن بهشاشة مثل هذه المعاهدات والتي تبدو اليوم من منظور أمن الشعوب بقيمة لا تزيد عن الحبر على الورق الذي كُتبت عليه، لا وبل تدفع الى وضع آلية العمل التجارية/السياسية هذه بحد ذاتها في قفص الاتهام فلا بد أن نهج الرئيس الأميركي الأسبق يعكس الخلفية التي أُديرت وتُدار بها مثل هذه الاتفاقات ويعكس نتائجها الكارثية على المجتمعات المدنية في المنطقة والتي لم تُعطَ فرصاً حقيقية لبناء السلام، وانما تلبثُ منذ عقود طويلة رهينة للنزاعات السلطوية وللمرابح التجارية المُتعلقة بالحروب والصراعات والنفوذ.

كما يعكس الوضع في الشرق الأوسط اليوم، والأوضاع العالمية عموماً عجز المؤسسات الدولية، التي تم تأسيسها بهدف تحقيق السلام بين الأمم، عن أداء هذه المهمة ويكشف عن أن عملها اقتصر بالحد الدنى لحفظ الوضع كما هو في مناطق كثيرة مضطربة في العالم ومحاباة الحكومات التي تضطلع بدعم ميزانياتها، والتخلي عن مهمة دعم السلام بين الأمم وقوامها الشعوب وليس الحكومات السلطوية. على الأخص في الدول التي انفصلت بها الطبقات السياسية عن الناس وأضحت معادية لمصالحهم، وفي الدول التي باتت تصنَع عدواً داخلياً لشعوبها قوامه الفصائل الترهيبية والمافيات المُسلحة لتستخدمه كأداة في قمع حقوق المدنيين وفي منع وصولهم لحقوق في المواطنة المتساوية، وهي حالة باتت مكررة لدرجة أنها أصبحت حالة موازية للحروب بين الدول أو حتى تتجاوزها بالكم والتأثير السلبي على حقوق الانسان وعلى حماية وحفظ الاستقرار وهي حالة صراع لا تستطيع المؤسسات الدولية الضلوع في حلّها، لكونها تندرج تحت بند الصراعات الاهلية ويعتبر تأثير القوانين الدولية شبه معدوم حيالها.

تطرح هذه الأوضاع محاور مصيرية جادة تجاه مستقبل البشرية وتستحق حراكاً عالمياً للخروج من هيمنة منظومة الماضي والتي أقل ما يُقال عنها اليوم أنها منظومة فاشلة على كافة الصعد.

فالصراع الفلسطيني الاسرائيلي المستمر منذ عقود طويلة في حالة تقهقر مُتزايد ولم يعد قضية منفصلة عن التقهقر في المنطقة بمجملها ولا يمكننا في ظل هذا الواقع الا النظر الى جميع القرارات الدولية والمعاهدات واللقاءات والمؤتمرات والدراسات والصفقات الثنائية وغيرها الا كأنها لم تكن، بغياب أثرها الكامل عن واقع شعوب المنطقة المدنية، والتي تعيش بقلق وانعدام استقرار مستمر،  في حين تستمر أطراف الصراع بالتصعيد بشكل دوري وتستفيد من الحروب لتشديد قيود سلطوية على المواطنين، وتستمر ادعاءات مسرحية السلام بعيداً عن تحقيق وتنفيذ شروطه الحقيقية، فلا بد أن هناك فوائد ستُجنى من تصعيد هذا الصراع في هذه الفترة وسط ظروف منهارة اقتصادياً في لبنان وسوريا ووسط اضطرابات سياسية في إسرائيل.

 

فهذه المُقاربة مشروعة بالمطلق، فالمعاهدات تقام بين الشعوب ولا تباع وتشترى بين متنفذين في الحكومات فلم يشهد التاريخ توقيع سلام  اقتصر على الطبقة السلطوية الحاكمة ونجح على المدى المتوسط أو البعيد، بل هي الأمم من تدفع بالظروف المؤاتية لصنع السلام وتحقيق شروطه، من منطلق واحد هو تحقيق المصالح المُشتركة للاستمرارية وضمان حفظ الهوية والتنمية المستدامة لجميع المتضررين، فأين هي هذه الأساسيات من صفقات السلام، وما الذي بقي للمستقبل إذاً.

بقي الجذع المشترك والمصير القادم، فمصالح الشعوب في المنطقة مهددة جميعها دون استثناء سواء بالحروب، أو بالقبول باستمرارية القمع والسلطوية والانفصال عن التطور العالمي، أو بالكوارث المُرافقة لارتفاع درجات حرارة المناخ. كما أن هوية المنطقة الثقافية القائمة على التنوع الحضاري المنفتح منذ آلاف السنين باتت مهددة بالانقراض لتحل محلها هويات متشددة متقاتلة.

فالسلام هنا، ان تم يوماً هو سلام حيوي قائم على العلم وعلى خلق الظروف الدافعة به، لذلك فشلت بتحقيقه صفقات سياسية لا زالت تتكأ على المرابح وتنكر الحياة بجميع أبعادها وأركانها ولذلك حال بلدان المنطقة مترابط لا ينفصل ولذلك علينا العمل لتغيير هذا الواقع المتردي بدءاً من سوريا، الشاهدة الأصدق على سوء مسار قسري فرض على الشعوب عقود طويلة من الزيف، ويبحث اليوم عن مخرج ليس للسوريين وحسب بل ربما للإنسانية برمتها.