هل من بيتٍ للأنبياء الا في ارض تحترم الشرائع الانسانية

د. سميرة مبيض

٢١ آذار ٢٠٢٣

عملت حكومات عديدة في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات المنصرمة كجهات تدعو للتعايش بين متبعي مختلف الثقافات الدينية ومنها الامارات والتي استقبلت عديداً من المؤتمرات وورشات العمل بين رجال دين ومن يدور في دوائرهم وصِيغت ضمنها عديد من النصوص والمواثيق الدينية والأوراق على كلمات منمّقة تصطف الواحدة تلو الأخرى لتوائم ما نجم عن العصف الذهني لمن لبثوا يحاولون لقرون فهم رسائل الأنبياء، فخرجوا بما أسعفتهم به مقدراتهم لتحجيم الشرائع على مقياس سياسي آني، مقياس ضئيل مضلل لا يُذكر في فضاء شرائع تمتد من امتداد الزمن الانساني منذ تمايز و تتسع من مساحة اتساعه المكاني منذ انتشر، ألحق بهذه المساعي بناء مُنشأة تجمع دور عبادة لأديان سماوية  بالاتكاء على رمزية النبي إبراهيم لطبع هذه الجهود والمساعي بمعلمٍ عمراني.

 

غاب عن جميع ما سبق ركيزة أنبياء بلاد الشام وبيت سرهم وجوهر رسائلهم والتي بها مهدت ولادة الشرائع الإنسانية الحقة والتي بها ولد التحضّر ونُبِذَت الهمجية واستقر العلم وتعظّم وخلقت الأدوات لخدمة الحياة وعدلها وتقدمها وتطور الانسان ولازال في مساره اللصيق بالحياة سائراً، فجاء المسار السياسي الذي تبنته هذه الجهات والداعم لمنظومة همجية، تحتل أرض بلاد الأنبياء وتهجّر أهلها، جاء نقيضاً لجميع الشرائع السماوية وناقضاً لقوام البناء ذاته فلا أرى مَن مِنَ الأنبياء قد يدعم من قتلَ وهجر مئات الألوف من الآمنين والآمنات من بيوتهم، ولم أجد أي تعاليم في كتبٍ وشرائع نزلت بأرض الشام تشرّع لمثل هذا التردي الإنساني.

 

ولنكن أكثر تحديداً، فقد أثبت التاريخ ان تسييس أي منظومة قيمية شرائعية وتحويلها لأداة خدمة سلطوية كان كارثة على الإنسانية وكادت هذه الغاية أن تقتل جوهر الأديان ذاتها بتحويل رجال الدين من العمل لمصلحة الانسانية الى العمل لخدمة الحاكم والمال والسلطة وهو زيف لا جدل فيه فباتت أرض الشرائع غير عاملة بها يعمها الفساد والصراع والقتل والظلم والقمع وعمت التفاهة العالم من بعد تقهقرها، فلماذا يعيد البعض السقوط في فخ محاباة الهمجية ولمَ يدعون علماً وهم على جهل، أما أجيال هذه الأرض نورها وملحها التي كتبت وشهدت وحفظت الأحرف الأولى فلا محاباة للهمجية ترد في قواميسها ليس من اجتهاد ولا من تفاضلية بل لأن العبر واردة لمن قرأ ولمن أبصر ولمن وعيَ وأدرك، فها هي بوصلة الأرض تقود أهلها وها هي حدود قيمية يُعاد تعريفها فلا تمحى لا آثار أقدامنا ولا تستباح دماء ضحايانا.