أربع جلسات دستورية تختتم مرحلة ((المبادئ الوطنية)) 

د. سميرة مبيض

7/12/2020 

انتهت منذ أيام قليلة الجلسة الرابعة للجنة المُصغرة من اللجنة الدستورية السورية ويمكننا توصيفها بأنها جلسة ختامية للمرحلة الأولى من عمل اللجنة الدستورية والتي اتسم عنوانها العريض بما عُرف ب ((المبادئ الوطنية)) وقد امتدت على مدى عام كامل تخللتها تقلبات تحاكي فصول السنة الأربعة وصولاً لرسم المشهد كاملاً موضحاً ما يراه كلاً من الطرفين الرئيسيين لهذه اللجنة المصغرة المُتشكلة في 30 تشرين الأول لعام 2019، والمُسيرين لمسار الحوارات خلال المرحلة السابقة.

 

ففي حين تتالت الجلسات بين الجلسة الأولى التي تضمنت لا أوراق قدمتها كل من المجموعات المعنية، لا ورقة المعارضة التي تضمنت مبادئ دستورية تلخص ما ورد في مداخلات جميع المشاركين الى لا ورقة النظام والتي تمحورت حول محاربة الإرهاب وختاماً لا ورقة المجتمع المدني والتي تفاوتت ضمنها المحاور بين التركيز على الافراج عن المعتقلين والمختفين قسرياً من قبل جميع الأطراف الى مطلب رفع العقوبات الاقتصادية عن النظام السوري والتأكيد على محاربة الإرهاب وذلك وفقاً لتفاوت المواقف ضمن هذه الكتلة.

 

وفشلت لاحقاً الجلسة الثانية بسبب عدم التوصل لأجندة عمل يتوافق عليها وفد المعارضة ووفد النظام، وجاءت الجلسة الثالثة لتطرح موضوع الهوية السورية للنقاش ورغم تباين الأفكار المطروحة فقد حملت بوادر طفيفة إيجابية أهمها قبول نقاش تعددية الهوية السورية بعد أن كان ذلك من الأمور المُقفلة فيما قبل الثورة السورية.

 

أما الجلسة الرابعة والختامية تحت مسمى المبادئ الوطنية التي يُفترض الاتفاق عليها من قبل المُشاركين قبل الدخول بنقاش المضامين الدستورية فقد ركز ضمنها الوفد الموفد من قبل النظام على أربعة محاور أهمها الضغط نحو موضوع رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على شخصيات ومؤسسات داعمة لنظام الأسد إضافة الى موضوع تدهور الحالة الإنسانية في سوريا واعطاءه الأولوية على أي أمر آخر وموضوع عودة اللاجئين وموضوع محاربة الإرهاب ووردت تصريحات لأطراف معارضة تتناغم مع إعطاء الأولوية للحالة الإنسانية في تجاهل مطلق من قبل الطرفين أن هذه الكوارث الإنسانية مردها وجود نظام الحكم الاستبدادي في السلطة وتغييرها يتطلب حتماً انهاء حقبة الحكم الشمولي. والأهم أن ثمرة هذه الجولة هي أن كلا من الطرفين المُشكلين لهذه اللجنة المُصغرة قدم رؤية كاملة لمسار ((المبادىء الوطنية)) من منظوره.

 

وفيما يلي محاولة اضاءة على نقاط وردت ضمن الاوراق المقدمة وقد تستحق الوقوف عندها ونقاشها من كافة الجهات المعنية.

 

ورقة هيئة التفاوض:

– جاءت ورقة هيئة التفاوض ترتكس في مُقدمتها نحو مؤتمر سوتشي وليس نحو القرار الدولي 2254 والذي على أساسه تمت الدعوة لانعقاد واطلاق اللجنة الدستورية من قبل المبعوث الدولي ومنحها صلاحياتها كما ورد بوضوح في المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية التي انطلقت بتيسير من الأمم المتحدة في جنيف والتي نصت “أن الدعوة للجنة الدستورية تتم بموجب التفويض الممنوح للمبعوث الدولي في قرار مجلس الأمن الدولي 2254( 2015)٬ بما في ذلك تسهيل المفاوضات السورية-السورية، ومنها وضع مسار لصياغة دستور جديد تجرى، بناءاً عليه، انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي؛ ومع الاحترام الكامل للسيادة الوطنية السورية”

– طرحت ورقة هيئة التفاوض مصطلحات فضفاضة لتثبيت ما سُمي ضمنها بالهوية الوطنية والتي تفترض جدلاً وجود التعايش بين المكونات السورية بعيداً عن الاعتراف بواقع ما جرى في النصف قرن الماضية من انتهاكات وممارسات دمرت المجتمع السوري، وبعيداً عن الاعتراف بواقع الحال اليوم، بعد عقد من صراع دامي بين السوريين، من انقسام مجتمعي في سوريا وبعيداً عن تثبيت الهوية السورية التعددية التي قد تستطيع حمل المرحلة القادمة كجسور تمتد بين المكونات السورية لبناء حالة استقرار فعلية بعد تثبيت حقيقي للأمن وسيادة القانون وتطبيق حقوق الانسان.

– كما ابتعدت ورقة هيئة التفاوض عن تثبيت مسار القرارات الدولية القاضية بعملية التغيير السياسي كمسار رئيسي لوصول الشعب السوري لبناء مستقبله، بما يُناقض ايضاً المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية والتي ترتكز على هذه القرارات الدولية.

– كما أشارت ورقة هيئة التفاوض لموضوع الإرهاب دون التفصيل بالجهات المتعددة المسؤولة عنه ودون شرح دور النظام كمنتج ومتفاعل مع هذه المنظمات الإرهابية.

– جاء بند عودة اللاجئين في ورقة هيئة التفاوض ضبابي لا يرتبط بعملية التغيير السياسي الجدي بل يطالب بتامين ظروف وآليات لعودة طوعية وآمن وكريمة مع مقترحات لتشكيل هيئات مستقلة للمهجرين ولحقوق الانسان ويمكن اعتبار مقترح تشكيل هذه الهيئات المستقلة مقترح عملي ومطلب ايجابي قابل للتطبيق بعد انجاز عملية التغيير السياسي التي انطلقت على أساسها هذه العملية الدستورية.

 

ورقة الوفد الموفد من قبل النظام:

– جاءت ورقة الوفد الموفد من قبل الحكومة تدين الإرهاب والجهات المنتجة له والدول الراعية له بصورة جزئية متجاهلة كل ما يتعلق بنظام الأسد ودور حلفائه في انتاج الإرهاب ودعمه وتسهيل مروره للأراضي السورية وتتجاهل ذكر تواطؤ النظام مع تنظيمات ارهابية كداعش والنصرة ووجود مليشيات إرهابية مقابلة ومكافئة لهم يدعمها حليفه الإيراني وعصابات ومرتزقة يدعمها حليف النظام الروسي وهم من كافة الجنسيات يدافعون عن وجوده بالسلطة ضد إرادة الشعب السوري.

– كما تمت ادانة وجود احتلال خارجي لسوريا بشكل جزئي مستثنياً وجود المليشيات والقوى المسلحة والمرتزقة التابعة لدول حليفة للنظام.

– كما جاءت هذه الورقة تصبغها منهجية حزب البعث المستمرة بالتخوين والاتهامات بالانفصالية، كذريعة للتخلي عن الهوية التعددية والاعتراف بها وتثبيت الحقوق المرتبطة بوجودها، واظهار السوريين بمظهر متشدد ورافض للآخر، في حين لا يوجد أي مكون سياسي سوري معارض يطالب بالانفصال عن الاراضي السورية.

– كما طرحت ورقة الوفد الموفد من قبل الحكومة مفهوماً فضفاضاً عن الهوية الوطنية، بعيداً عن الاعتراف بالهوية السورية التعددية القادرة على حمل المستقبل والضلوع ببناء جسور حقيقة تضمن الاستقرار والأمن للسوريين.

– كذلك ركزت على موضوع إعادة اللاجئين بمعزل عن انجاز عملية الانتقال السياسي وبإعطاء الأولوية لمعالجة الكوارث الإنسانية، في تجاهل كامل لارتباط هذه الأوضاع بحالة وجود حكم شمولي استبدادي، لا يمكن انتهاؤها الا بانتهاء المسببات.

 

لا بد أن ختام هذه المرحلة أظهر تناغماً لا يمكن اهماله على عدة محاور بين مواقف الجهتين المُشكلتين للجنة المُصغرة للجنة الدستورية، على الأخص بما يتعلق بالابتعاد المتعمد عن ذكر القرارات الدولية القاضية بالتغيير السياسي في سوريا وبالتركيز على قضايا تُمنح الأولوية على حساب التغيير الجذري في حين انها لا تُحل الا به. وأخيراً هذا الإصرار الثنائي على فرض مفهوم الهوية الوطنية كهوية شمولية جديدة تصهر الجميع دون اعتراف فعلي بتعدديتهم، بهذه جميعها يبدو ان مسار ((المبادئ الوطنية)) حاول الهروب من استحقاق التغيير الجذري دون إدراك أنه استحقاق حتمي تفرضه جثامين مئات ألوف  السوريين من كافة الأطراف ومثلهم من المختفين القسريين لدى كافة الجهات وأضعافهم من اللاجئين المشردين في العراء دوناً عن الظواهر الهمجية والارهابية التي صدّرتها وصنعتها الحقبة الماضية بكافة أطرها السياسية والاجتماعية المؤطرة للمجتمع، هذه المنظومة بمجملها لا تشكل خطراً على السوريين وحسب بل خطر على أمن العالم اجمع وفي ذلك خلاصة الأمر.