رد على مقال بعنوان (دور المجتمع المدني في اللجنة الدستورية) على تلفزيون سوريا

 

د. سميرة مبيض

 

نشر موقع تلفزيون سوريا  بتاريخ 14/01/2022 مقالاً بعنوان (دور المجتمع المدني في اللجنة الدستورية)  ورد ضمنه عدة مغالطات يرد تفنيدها في هذا المقال

 

·      يتساءل الكاتب في بداية مقاله عما دفع أعضاء من كتلة المجتمع المدني لإجراء حوارات ومباحثات بينية بشكل منفرد بعيداً عن كتلة المُعارضة والنظام، متجاهلاً أن كلاً من النظام والمعارضة يهيمنان على عمل اللجنة الدستورية منذ أكثر من عامين من الزمن اتسمت بهما جميع اجتماعات اللجنة الدستورية بالفشل الذريع كما اتسمت بكونها تترافق بتصعيدات عسكرية مُرافقة لاجتماعاتهم على اعتبارها رسائل متبادلة بين الطرفين يذهب ضحيتها أطفال ونساء ومدنيون من كافة الأطراف.

·      دوناً عن كونهم يرفضون الشفافية أو اطلاع السوريين على ما يحصل باجتماعات اللجنة الدستورية وتتسم اجتماعاتهم بالسرية والتحفظ وكأنها تضع دستوراً لشعب آخر غير الشعب السوري الذي دفع ثمن مطالبه بالتغيير دماءً وتهجيراً وكوارث إنسانية لا تحصى. ولا ننسى أن نذكّر ان فشلهم هذا ما هو الا امتداد لفشل عشر سنوات من ما سُمي بالمفاوضات السياسية والتي لم تكن الا غطاء تسويف وتعطيل لم يفضي لتحقيق أي من مطالب الشعب السوري، ربما لو واجه الكاتب هذه الحقائق لم يكن ليطرح هذا السؤال ذو الإجابات البديهية. هذه العطالة وهذا التمترس بين النظام والمعارضة ليست الا استمرارية لمسرحيات عدة قادها الطرفان على حساب تضييع الحقوق وتمييع المطالب وتحويلها لتقاسم للسلطة ومقايضات سياسية تبتلع مسار العدالة وبناء الدولة السورية الحديثة، يضاف الى ذلك كله، كون كلا الطرفين متورطين بارتكاب انتهاكات إنسانية بغض النظر عن مقاييسها الكمية والعائدة فقط الى ما امتلكه كل طرف من إمكانيات عسكرية. 

 

·      يتابع الكاتب في الفرضيات التي تلغي أهمية المسار الدستوري بالنسبة لمستقبل سوريا وتجعل منه مساراً روسياً وايرانياً، مُتجاهلاً أن اللجنة الدستورية أُطلقت بمسار دولي رسمي من على منابر الأمم المُتحدة وبصيغة وهدف مختلفين تماماً عن مؤتمر سوتشي، ومتغافلاً في الحين ذاته عن النقطة الأبرز في هذا المسار بكون الطرف الأشد رفضاً لأي تغيير في الدستور هو نظام الأسد لأن دستور عام ٢٠١٢ يخلق له الاطار النموذجي للاستمرارية في السلطة والقتل والاجرام دون حسيب ولا رقيب فلا يمكن الادعاء بأن أي مسار تغيير عبر الدستور يصب في بقاء النظام بل العكس هو الصحيح أن تعطيل ورفض العملية الدستورية ضمن الأطر الدولية هو مسار ساعي لبقاء نظام الأسد مهما ادعى أصحاب هذا الرأي غير ذلك.

 

·      وان كُنت أوافق الكاتب بأن مشكلة سوريا هي في نظام مستبد همجي جاثم على صدور السوريين وأن أهم منتجاته هو الإرهاب والتطرف اللذين تواطأ معهما لوأد الثورة السورية، لكن لا يخفى على عاقل أن هذا النظام تأسس عبر الدستور وتغييره لا يتم الا عبر دستور يؤسس لمنظومة دولة حديثة قائمة على أسس المواطنة والقانون والمساواة والعدالة ونقيض لكل ما قامت عليه عوامل المنظومة الشمولية السابقة وهو مسار سيفضي للتغيير السياسي بشكل حتمي. 

 

·      يحيد الكاتب عن الحقائق عندما ينسب للمجتمع المدني السوري توجيه تهم تتعلق بالإرهاب لأي جهة كانت، فهذه التهم حصرية التبادل والاستخدام بين المعارضة والنظام بينما يعتمد العمل المدني السوي على كشف مسببات ظواهر التطرف والتشدد في أي مجتمع وتلافيها والعمل على معالجتها ومعالجة نتائجه الكارثية على كافة الصعد، فتصنيع الإرهاب واستخدامه كأداة سياسية من قبل تيارات ايديولوجية هو أكبر مهدد للاستقرار والأمن في العالم أجمع وليس في سوريا أو في المنطقة وحسب. 

 

·      في تتمة مقاله يعتبر الكاتب أن المجتمع المدني السوري منقوص القيمة وحتى يكاد ينفي وجوده لاغياً ملايين السوريين المُتضررين من نتاج الانتهاكات والهمجية من كافة الاطراف، ورغم أن ما ذُكر في هذا السياق حول تجميد المجتمع المدني من قبل عموم التيارات الأيديولوجية المشكلة لمنظومة الأسد والتي سيطرت على سوريا خلال الحقبة السابقة، امر صحيح  لكن المجتمع السوري أثبت خلال العقد المنصرم أن نواة المدنية زاخرة بالحياة وقادرة على تجاوز الأقطاب المؤدلجة وأدواتها الهمجية للسيطرة نحو إعادة مسار البلاد لركب الإنسانية السليم والآمن والذي لطالما ساهمت به حضارات المنطقة بشكل إيجابي وفاعل. فعوضاً عن اتهام المدنية بالتيار المنقوص فلتساهم جميع التيارات السياسية في الخروج من الكوارث التي تغرق بها سوريا اليوم وتعمل على دعم وتبني مفهوم يحقق العدالة والمساواة لجميع السوريين وتحييد مصالحهم الضيقة أمام مصلحة السوريين وأمام المنفعة العامة للمجتمع.  

 

·      كذلك أوافق الكاتب بأن الخلل الناجم عن الفساد والشللية والتبعية للممولين والتي ظهرت لدى فئة من منظمات المجتمع المدني تشكل نقطة ضعف لكن ذلك لا يمكن تعميمه وتحميل وزره للقاصي والداني بل ليحاسب الفاسدون أنفسهم من كل من عمل بالشأن العام خلال العقد المنصرم ولنعتمد الشفافية والرقابة في مستقبل العمل السوري وذلك هو المسار السوي الوحيد. أما الهجوم على كل من لا ينضوي تحت هيمنة هذه التيارات السياسية بحجج وذرائع ضعيفة فهي أسطوانة مشروخة لن تفضي الا الى مزيد من التداعيات السلبية على مسار التغيير.

·      ختاماً فان وأد كل المسار المدني الساعي لتقويم الحراك السوري نحو التغيير الجذري وعبر الدستور لا يُفسر الا بأحد أمرين اما أنه سعي من قبل الأطراف  الرافضة للتغيير لتتقاسم السلطة مع الأسد وفق معادلات قوى الامر الواقع القائمة اليوم، وهو مسار كارثي، أو سعيها للحلول عوضاً عن الأسد ووفق دستوره الشمولي ذاته والذي لا يعترف بحقوق المواطنة ولا بسيادة القانون ولا بالعدالة ولا بالحريات وهو مسار لا يقل كارثية عن الأول، وينفع تسميته فعلاً بمصيبة المصائب.