أهمية التنظيم الدستوري الجديد في سوريا اليوم.

 5/12/2022

د. سميرة مبيض

تَفرض التغيرات العالمية في هذه الحقبة إعادة تنظيم الدساتير بما يتماشى مع الواقع والاحتياجات للعالم الحديث، ورغم الأهمية المُضاعفة لهذه التغيرات في بلاد عانت من نتائج الصراعات المُسلحة والحكم الشمولي لعقود، كما هو حال سوريا، الا ان المسار الدستوري السوري لا زال رهينة لمصالح النظام والمعارضة التي شُكلت لخدمة الدول الإقليمية والمحاور السياسية القديمة. 

 

ولا يمكن اعتبار هذا الجمود بحد ذاته الا عائقاً في وجه التقدم على الصعيدين المحلي والعالمي، فالأثر الذي يلقيه على الملفات العالمية لا يمكن تجاوزه، كما هو حال التقهقر الحاصل في كثير من دول العالم والناجم عن عقود طويلة من انعدام المراجعات والتراكمات السلبية الكثير من العوامل الغير فاعلة والمعطلة بشكل مباشر أو غير مباشر لضمان الأمن والاستقرار المطلوبين.

 

ويعد الدستور السوري أحد أهم الملفات التي تحاول هذه الجهات الهيمنة عليه، لإلحاقه ببقية أطر المعارضة العديمة الجدوى وعمليات التسويف والتعطيل المتولدة عنها، الا أن ثلاث سنوات مع ما ترافق بها من تكشفات للسياسات الساعية للتقرب من نظام الأسد والتغافل عن جرائمه وإعادة تدويره لقاء مقايضات بأراضي وموارد وأرواح سورية كانت كافية لإدراك ضرورة استعادة سيادة القرار على هذا المسار.

 

تتراوح اللجنة الدستورية اليوم بين ما يعرف برئاسة وفد المعارضة ووفد النظام ممثلان عن مصالح الجهات التي يتبعون لها ومن تم اختيارهم من قبل الطرفين لتزييف الصوت المدني، ويغيب عن اللجنة رئاسة متوازنة تمثل الأصوات السورية المتضررة من هؤلاء والتي كان يفترض أن يمثلها المجتمع المدني بكوادر علمية حيادية عن الأيديولوجيات وساعية لبناء سوريا ناهضة بجميع أبنائها دون تمييز. 

 

غياب هذا الصوت سيؤدي الى استمرارية محاولات التلاعب التي تكشفت للسوريين ويتوجب اليوم المطالبة بإيقافها والعمل على إعادة مسار التنظيم الدستوري لسوريا ليصب في ركيزة بناءة لمستقبل الأجيال القادمة، بداية عبر التدقيق فيما حققه المبعوث الدولي الحالي وكافة من شارك في مسرحية المماطلة والتسويف في السنوات الثلاث الماضية ومن ثم في اطلاق عملية دستورية فعلية وحقيقية بدءاً من المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد انطلاقاً ووصولاً لعموم الأراضي السورية، مع الاحتفاظ بالشرعية الدولية والتشميل الكامل للتنوع السوري وذلك لا يمكن ان يتم دون إيقاف مسرحية الزيف الدائرة منذ اطلاق ما عُرف باللجنة المُصغرة المشابهة لإطلاق جميع المنصات السابقة لها. 

 

العودة بالعملية الدستورية لتحقيق الأهداف الواقعية والحقيقية اللازمة للتغيير السياسي، عبر السبل الصحيحة، هو الأمل الوحيد اليوم لأهالي سوريا دونه سيبقى السائد على ما يعرف ب(الساحة السياسية) هو الدوران في متاهات المؤتمرات وجيوب المُستنفعين ولعل نسبة من استيقظ من السوريين اليوم كافية لقرع جرس الإنذار لمنع مثل هذا التردي وتداعياته على المنطقة والعالم.

 

ولعل دعم مثل هذا الحل من قبل جميع التيارات المُتمسكة بهدف التغيير الجذري يحيد بنا عن كوارث لن توفر أي جهة ولا أي طرف، وذلك رغم المخاوف المشروعة لدى البعض من هذا المسار لكن ليكن الحصاد هو البوصلة دوماً، فهل نحقق هدف التغيير هو السؤال المستمر الذي يتوجب على كل سوري طرحه، وما هي أدواتنا وكيف نفعّل هذه الأدوات لتكون سورية مُنتجة وفاعلة وتحفظ العدل والعدالة وتحقق توازن المنطقة وانفتاحها الإيجابي بين الثقافات والمشارب والبنى المجتمعية جميعها على اختلافها وتنوعها وتجنب طريق النزاعات والحروب نحو طريق الاحترام المتبادل والتعامل القيمي والأخلاقي البناء. 

 

هي رسالتي اليوم، أوجهها حصرياً عبر منبري المستقل كعضو في اللجنة الدستورية السورية، للعمل على استعادة ملكية وصوت وتأثير هذه اللجنة لتكون حجر التأسيس بأيدي المخلصين من أهل سوريا، فلن يستطيع أحد النطق بصوتنا ولن يستطيع أحد الكتابة بقلمنا ولن يستطيع أحد تحقيق مصالحنا وتلك هي قواعد الحياة العادلة.