مبادرة الدكتورة سميرة مبيض، استقلال الأقاليم الشمالية 

د. سميرة مبيض 

السابع من أيار ٢٠٢٣

المُوجبات: الإدارة الذاتية والائتلاف وهيئة التفاوض عاجزة عن الحفاظ على حقوق السوريين

 

في ظل تدحرج حكومات الجامعة العربية وتُركيا للتطبيع مع منظومة بشار الأسد الإجرامية كان التعويل بشكل كبير على تماسك القيادات في الأقاليم السورية الشمالية على الاستقلالية الذاتية التي تم توطيدها خلال السنوات الماضية وأن لا تكون لقمة مستساغة في منحدر التطبيع هذا، ولا بد هنا من التحذير أن العجز الذي ظهر في مواقف هذه التشكيلات مُجتمعة تفسر كإلقاء طوق نجاة لمنظومة لطالما عملت على اضطهاد السوريين بكافة مكوناتهم العرقية والمذهبية.

 

بدءاً بموقف الإدارة الذاتية، سواء عبر مسار المبادرة التي طرحتها أو ما يرشح عن تواصلهم مع دول خليجية بهدف التوسط للتطبيع، أو عبر تصريحات مسؤوليها بمطالبة الجامعة العربية بإيجاد حلول للشمال السوري، فهذه الادارة تتخلى عبر ما سبق عن مهمتها الأساسية بتكريس أطر جغرافية تستخدم كركيزة لبناء دولة سوريا الحديثة بعيداً عن الترهيب ومنتجيه ومموليه من نظم وتيارات مؤدلجة، وذلك رغم ما حظيت به هذه الإدارة من دعم لوجستي وسياسي دولي خلال السنوات الماضية، والأهم أن ذلك يُناقض بالمطلق الرسائل التي تظهرها الإدارة الذاتية خلال جولاتها الأوروبية والتي تدّعي ضمنها دعم التغيير السياسي في سوريا وفي الحين ذاته تتقدم بمبادرات مصالحة وتقارب من المنظومة السلطوية التي تخضع أوروبياً ودولياً لعقوبات جذرية مرتبطة بانتهاكات حقوق الانسان وبانتهاكات ضد المدنيين وبتصدير الإرهاب للشرق الأوسط وللعالم، فنقضت بذلك أي مصداقية أو ثقة يمكن أن تُمنح لها من الشعب السوري كذراع سوري مستقل ذو سيادة قادر على حماية كل من تعرضوا للضرر والانتهاكات طيلة عقود طويلة من تسلط منظومة شمولية على المنطقة.

 

من جهتها تصرح التشكيلات المُعارضة ذات التبعية سواء التركية أو العربية أو الروسية أو الايرانية، كالائتلاف وهيئة التفاوض بمكوناتهم المختلفة بأن مبادراتهم تطالب بتطبيق القرار الدولي ٢٢٥٤ الذي يعود بالزمن لعدة سنوات مضت والذي يُطالب بشكل أو بآخر بإيجاد دور لهذه التشكيلات ضمن اطر السلطة الحالية في سوريا وذلك ضمن أطر المنظومة القديمة ذاتها أي تحت أفق  نفس الدستور الذي قامت عليه السلطة خلال العقود السابقة، وأدت الى ما أدت له من تدهور وتقهقر بحال السوريين والى فشل بناء دولة وفشل التعبير عن الهوية السورية، وبإدراج نسخ متعددة مُشابهة لمنظومة الأسد، ورغم فشل المُعارضة بإقناع السوريين والعالم بقدرتها على قيادة مختلفة عن نهج الأسد، لكنها لم تغيّر المسار ولم تسعى لتقويم أداءها في أي مرحلة بل يمتلك ممثلو هذه التشكيلات الوقاحة ليصرحوا بكونهم ممثلين للشعب السوري، في حين لا يمثلون الا مصالح تبعياتهم المُختلفة، ورغم هذا التهاون من جهة المُعارضة يرفض بشار الأسد تطبيق القرار الدولي ٢٢٥٤ ويعطل التغيير السياسي منذ اثني عشر عام.

واليوم، بعد أن تبين لنا بوضوح وبما لا يقبل الشك أن أياً من هذه الأطراف والجهات لن تحمي الانسان السوري بل هي مُتواطئة ومُشاركة في الإرهاب والانتهاكات التي يتعرض لها السوريات والسوريين فلا بد من مبادرات عملية فاعلة تُنقذ تضحيات الشعب السوري وتنير مسار تحرره من الإرهاب وطريق استقلال سوريا واستعادة سيادتها وبناء الدولة الحديثة وانهاء تغوّل هذه الأطراف جميعها على موارد الشعب السوري ومقدراته ومستقبله. 

 

استقلال الأقاليم الشمالية: خطوة أولى في بناء الدولة السورية

 

في هذا الإطار، أتقدم من موقعي كعضو لجنة دستورية عن المجتمع المدني، وأكاديمية وسياسية سورية مستقلة بنبذة مختصرة عن مبادرة أجدها قادرة على حماية حجر التأسيس السوري بدءاً من الحدود الشمالية، تمهيداً لتحقيق استقلال وسيادة عموم الأراضي السورية، وذلك عبر النُقاط الأربع التالية:

 

·       اعلان استقلال الأقاليم الشمالية والتي تبلغ مساحتها ما يقارب نصف سوريا وتمتلك مقدرات بشرية وطبيعية هائلة وقادرة على البناء الذاتي وعلى إعادة الاعمار. 

·      تأسيس حكومة مدنية سورية من أبناء هذه المناطق ومن المُهجرين قسرياً ممن رفضوا العودة لمنظومة الاجرام والقمع، تنّظم هذه الحكومة الأوضاع الإدارية وتضع أسس الحوكمة في هذه الأقاليم وتضبط الأوضاع العسكرية والميليشياوية في الأقاليم الشمالية، وتنهي أي توجهات ترهيبية وقمعية وتحمي المواطنين بقوة القانون.

·      وضع دستور سوري جديد يعلن استقلال هذه الأقاليم تحت مسمى سوري، وفق الأسس والشرعية الشعبية والدولية المُتعارف عليها، ويثبت بنود تحمي جميع السوريين، بكافة مكوناتهم وثقافاتهم ويمنحهم حق المُواطنة المتساوية متضمنة حماية اللغات والثقافات الدينية والبنى المُجتمعية المتنوعة من حضرية وقبلية وقروية والمهن والارث السوري كاملاً بحضاراته الممتدة عبر التاريخ وعبر امتداه المكاني بما يضمن حياة هذه المجتمعات ويحمي مواردها ويحقق تنميتها الاقتصادية.

·      تضمن الأقاليم السورية الشمالية إمكانية التعاون الإقليمي والدولي الذي يعترف باستقلاليتها ويدعم تحقيق أمن واستقرار المواطنين المقيمين ضمنها وفق أسس السيادة السورية وكامل الشفافية تجاه الشعب السوري، كما تضمن هذه الأقاليم التعاون مع أي أقاليم سورية أخرى في وسط أو جنوب البلاد لإنهاء احتلالات سورية التي تشرعها المنظومة الاجرامية، وتفتح سبل إيجاد الحلول السياسية وفق مسار متوسط الزمن لبناء دولة سوريا الاتحادية على كامل أراضيها دون استثناء، تجنباً لتقسيم البلاد وبيعها وهو الجرم الذي يقوم به نظام بشار الأسد اليوم مع أطراف عدة.

 

تعتبر هذه المبادرة كحق سوري أدعو جميع المتضررين للانضمام اليه ورفعه العمل على تنفيذه والأهم عدم الانسياق لمقولة أن السوريين والسوريات ليس لهم تأثير أو صوت، فنحن أصحاب الأرض والحق، وليس لمن يتغول على حقوقنا مكان في مستقبلنا، ولن يعيد ماضي التقسيم والاقتطاع والوصاية تدوير نفسه على حساب سوريا وأهلها مهما سعوا لذلك سراباً، بل لتعيد هذه الدول ما نهبته من أراضي السوريين ومواردهم وتعوض عائلات من استخدمتهم كوقود حرب لتفريغ صراعاتها وليكن لنا موقف صلب فهذا منعطف تاريخي فاما اندثار سوريا الذي تعمل عليه هذه الجهات واما احياء وطن واختيار المخلصين محسوم وثابت.