حادثة آنسي، قراءة بعد التئام جروح الضحايا

 

د. سميرة مبيض

 

١٤ حزيران ٢٠٢٣

 

لم يعد الزمن زمن القنوات التلفزيونية الرسمية التي تسلط الضوء على جهة واحدة من الأمور بل منحت الحقبة التقنية الحديثة إمكانية تفكيك الحدث كما يفعل الموشور في حزمة ضوئية، وذلك هو حال كل وأي حدث اليوم ومنها حادثة آنسي المتعلقة بالهجوم، الذي قام به شخص سوري حاصل على اللجوء من دولة السويد، في فرنسا.

 

ووفق ما تناقلته بعض المواقع فالمتهم حاصل على اللجوء من قبل دول أوروبية أخرى، ومن ثم طالب للجوء في الدولة الفرنسية وقد حصلت حادثة الطعن التي شغلت الرأي العام  بعد رفض طلبه الأخير.

 

ولحين التئام جروح الضحايا خلال الأيام القليلة الماضية، سعت كل الجهات السياسية والأيديولوجية للدفع بمنظورها للأمور، فسرعان ما تداعت جهات سياسية لاستخدام الحدث للتقليل من قيمة مطالبات الفرنسيين المتعلقة بقانون التقاعد، بالادعاء أن هناك أمور أكثر خطورة  تستوجب الاهتمام، من جهتها سارعت التيارات السياسية المناهضة للجوء باستخدام الحدث بهدف التخويف  من حالة اللجوء في فرنسا أو في أوروبا، ولم تقتصر الاستخدامات على الحدث بحد ذاته بل تجاوزته لاستخدام ردود الأفعال المحيطة به، ففي حين انتقدت جهات محددة عناصر الشرطة لبطء حراكهم أشادت بهم وبجهودهم جهات مقابلة لها، وذهبت جهات ثالثة لوسم شاب تواجد بمنطقة الحدث بالبطولة لكونه لحق بمرتكب عملية الطعن على بعد خطوات محاولاً إيقافه مراراً، وتم الإشادة بكونه رحالة يقوم بجولة على الكاتدرائيات الفرنسية  وفق ما تداولته المواقع التي سلطت الضوء على هذا الشاب، ويدخل ذلك في سياق ما خلقته حادثة آنسي من استقطاب ديني أيضاً على خلفية دين المتهم والذي صرح بأنه من اتباع الديانة المسيحية وفق سجلات لجوئه وكان قد صرخ بعبارات ذات مضامين دينية باللغة الإنكليزية قبل حادثة الطعن، فقد ظهر هذا الاستقطاب بين طوائف مسيحية من جهة وبين اتباع الدين المسيحي والدين الإسلامي من جهة أخرى.

 

استقطابات عديدة اذاً تُظهر محاولات جذب الحدث نحو هذه الجهة أو تلك، وفي ظل ذلك بقيت عدة نقاط لم تغطيها مرحلة التظاهرة الإعلامية لما قبل التئام جروح الضحايا، الأولى هي هوية السيدة التي يُسمع صوتها في خضام الحدث ووقفت بوجه تعرض الصغار للأذى والتي لم يتناول الاعلام الدور الرئيسي الذي قامت به وأوقفت ومنعت تداعيات أكبر لهذه الحادثة. أما النقطة الثانية فهي بكون المتهم، ليس بمواطن سوري من الديانة المسيحية فقط بل بكونه عنصر  في منظومة الهمجية البائدة في سوريا وهو ما نوهت اليه وسائل اعلام ناطقة بالعربية لكنه لم يلقى ذات الاهتمام في أوساط التجاذب الإعلامي الفرنسية والاوروبية، ففي واقع الامر هذه النقطة توضح بما لا يقبل الشك مدى التأثير السلبي لهذه المنظومة على كافة أطياف المجتمع السوري، فرغم قصر المدة التي قضاها هذا الشخص في مليشيات القتال، فقد كان لهذه المرحلة تداعيات سلبية على سلوكياته حتى لما بعد عقد من زمن خروجه من البلاد بصفة لاجئ في الدول الأوروبية. والنقطة الثالثة والتي تقل أهمية عما سبقها لكنها تستحق التنويه أيضاً هي بالخلل القائم في تنظيم أمور اللاجئين في العالم وفي أوروبا والذي يتيح لشخص ما الحصول على اللجوء في عدة بلدان أوروبية دون ان يكون هناك متابعة دقيقة لملفه في واحدة من هذه الدول بما يمنع حصول مثل هذه الاحداث. 

 

أما نقطة الختام فهي في الضحايا الذين التأمت جراحهم، الأطفال الذين واجهوا هذه الازمة وكانوا شاهدين في الحين ذاته على فشل منظومة عالمية لم تستطع تأمين الامن والاستقرار في أي مكان من العالم، فلم يدرك كثيرون بعد أن التقدم هو مسار شامل دون استثناء، فعساهم أطفال يكبرون وهم يحملون طموح التغيير مع أجيال جديدة ستبني المستقبل، هم من يستحقون اعتذار نحمله كسوريين، لنخبرهم أن شعوباً كثيرة أدركت تلك الحقائق والتأمت جراحها ونهضت بحراك مدني حمل رايته أطفال وشابات وشباب وعقول تدرك معنى الإنسانية ومداها وأفقها،  فعساه مسار يعمّ ويتم لتتعافى الإنسانية برمتّها وتتابع تقدمها في استمرارية الحياة.