قوارب المُهجرين، الى متى يحمل البحر وزر جرائم النُظم الفاشلة.

 

 د. سميرة مبيض 

١٩ حزيران ٢٠٢٣

 

كالموج، تتبادل جهات عديدة الاتهامات حول حادثة مركب المُهجرين الأخيرة والتي شهدتها شواطئ اليونان هذه المرة ويقدر عدد ضحاياها بالمئات، جميعهم من مواطني الدول النامية ، والتي كما يجدر التذكير دوماً، لم تحصل من التنمية الا على اسمها بينما لبثت شعوبها تعاني لزمن طويل رغم ثروات أراضيها الغنية ومقدراتها البشرية الكبيرة، ولبث مواطنوها يرون في طرق السفر ملاذاً للحصول على حياة كريمة ومنهم سوريون وسوريات، ضحايا الصراع والتهجير القسري والذي يندرج كمسبب رئيسي لتواجدهم على متن هذا القارب كما ترحلوا لسنوات عبر المئات من القوارب التي سارت بالساعين لبناء حياة أفضل لمصير مجهول، عقود من الوهم آن لها أن تنتهي، وأن يبني أبناء وبنات هذه الدول طموحاتهم في أراضيهم ويقاوموا نهج نظم فاشلة في تخريب بلدانهم المستمر وتدمير مستقبلهم.

 

وبالرغم أن البحر يظهر كالمستقر الأخير لهذه الجثامين لكنه البريء الوحيد في قضية وفاتهم، والتي تبدأ مسبباتها في دول لا تقدم فرص حياة كريمة متساوية وتنحرف بها مجريات الثروات الطبيعية عن مسارها في تمكين بناء المجتمع والنهوض بالتنمية، دول طال بها أمد الظلم والابتعاد عن احتياجات الشعوب تحت وطأة نظم قمعية لا التنمية اولويتها ولا المستقبل هدفها.

 

لكن فقدان الكرامة الإنسانية ليس الدافع الوحيد للمهاجرين عن أراضيهم بل طيلة فترة الصراعات العسكرية التي تستهلك أبناء هذه البلدان كوقود بشري وتهدد حياتهم هي عامل لا يُستهان به في هذه الكوارث، صراعات تطفو على سطحها تيارات أيديولوجية وقوى اقتصادية مُستفيدة من التسليح والتجييش وغيرها وسواها من المُعتاشين على المعاناة وهم من يستوجب مساءلتهم اليوم.

 

أما المصب ما قبل الأخير لهذه المآسي البشرية  هي الدول التي تواجه موجات اللجوء و تدفع بالقوارب لعمق المياه وليس لسطحها فهي ايضاً متهمة وشريكة بهذا المآل الكارثي، وهنا لا يمكننا القاء اللائمة على دولة بعينها، بل على قوانين الهجرة عموماً والتي لم تستطع لغاية هذا التاريخ إيجاد حلول رئيفة بالبشر وذلك رغم طول فترة تداول هذا الملف على الصعيد العالمي، وليست الدول الحدودية الا مكسر العصا في هذه الملفات، في هذه الحادثة أو في غيرها فالدول التي تقع في موقع جغرافي يجعل منها جبهات بحرية لمنع الساعين للوصول نحو شواطئ آمنة تتحمل تلقائياً تبعات مثل هذه الحوادث وهو ما لم تدرك هذه الدول مخاطره بعد ولم تسعى لإيجاد حلول تنأى بها عن تحمل وزر جرائم قد تصل للاتهام بالقتل المتعمد، كما هي حال حادثة القارب قرابة شواطئ اليونان والذي قد يقود فعلياً لتوجيه اتهامات جادة للجهات التي كانت على تماس مباشر مع مئات الضحايا قبل وفاتهم، ورغم أن الدولة المعنية تنفذ نظرياً مخرجات سياسات وقوانين عالمية لكن مؤسساتها هي من ستحمل المسؤولية المباشرة عن هذا الحدث وذلك أمر بحد ذاته يتطلب مراجعة من قبل هذه الدول الحدودية لمقدار جدوى هذه السياسات والمطالبة بمراجعة القوانين التي لم تفضي لغاية اليوم الا الى تراكم الكوارث على جميع الأطراف المعنية.

 

بالعودة للشأن السوري، فمنذ بداياتها عملت الثورة السورية على كشف مكامن خلل لا تحصى في نظم وقوانين دولية لم تبدي في حالة الأزمات لا نفعاً ولا فائدة، ليس أولها ولا آخرها موضوع الهجرة، فلتكن هذه الحادثة منطلقاً لتقديم منظور سوري عن الخلل العالمي في هذا الملف ذو الابعاد الإنسانية والقانونية والسياسية المتداخلة، ولتكن مدخلاً رئيسياً للدفاع عن حقنا بمساحة سورية آمنة تقي أبناء البلد من مخاطر التهجير ومن سوء المهربين ومن لؤم العنصرية ومن الرحيل المبكر المُفجع، مساحة ترسوا بها قوارب النجاة والناجين، فلا يعقل أن يحرم شعب كامل من ارضه ورزقه وتسعى لتتغول عليها الهمجية بمسميات المُعارضة والنظام وقوى السلاح ومُشغليها، لنُحيل قارب الحزن لقارب نجاة ببوصلة واضحة وهي حق السوريات والسوريين بأرضهم، بمواطنتهم، ببناء دولتهم الحديثة، وذلك اسوة بشعوب الأرض قاطبة وارتباطاً بتاريخنا وجذورنا وهويتنا فلا تصدقوا من يخبركم أن الأرض ترمي أبناءها لا بل هي حتماً تحيي من يحييها.