النظام الايراني وجرائمه الى مقاعد الجامعة العربية..

د. سميرة مبيض

٢١ شباط فبراير ٢٠٢٣

سيبدو عنوان هذا المقال مُستهجناً للوهلة الأولى، وذلك بديهي فهو يوصف واقعاً مُستهجناً ومتردياً أشبه بتصدع بالوعي يصطف على طرفيه مسؤولين من دول عربية يدعون ويعملون على إعادة نظام الأسد الى مقاعد الجامعة العربية، مُتذرعين طبعاً بحجة إبعاده عن النظام الإيراني وهي حجة تهدف للتلاعب بالرأي العام للشارع السوري بداية وبالرأي العام لشعوب معظم دول المنطقة التي طالها الأذى من هذا النظام بالدرجة الثانية. 

 

فبعد ما يزيد عن عقد من الزمن في تورط النظام الإيراني ونظم إقليمية مقابلة له، بقتل السوريين وبعد أن استُخدمت الأراضي السورية كساحة حرب بين دول الخليج وإيران وبعد حرف مسار الثورة السورية بالتسليح والتمويل من مسارها الطبيعي نحو مستنقعات الطائفية بأيدي هؤلاء، يتحفوننا اليوم بتصريحات داعية لمصالحة الأسد وهو نظام مُرتبط عضوياً بالنظام الإيراني لا انفكاك بينهما لكل من يقرأ، بشكل سليم، تاريخ الروابط بين النظامين.

 

لكن وما يبدو جلياً اليوم، وبناء على هذه المواقف، أن هذه الروابط ليست ثنائية وحصرية على نظام الأسد والنظام الإيراني، بل هي روابط تضم نظم عموم الدول بالمنطقة والتي تتدحرج تباعاً للتطبيع مع نظام ارتكب بحق شعبه انتهاكات إنسانية وتواطئ مع تنظيمات ترهيبية ورغم سنوات ادعاءاتهم بدعم حراك الشعب السوري نراهم كأحجار الدومينو في تساقط مستمر على نهج التطبيع مع الاجرام، متجاهلين استخدام الكيماوي، حفر المجازر، التعذيب في المعتقلات وكل ما تم توثيقه من انتهاكات، جميعها ستعترف بها الجامعة العربية وتمنحها الشرعية ان هي دعت بشار الأسد للعودة لمقاعدها، وليس ذلك فحسب بل ستمنح الشرعية أيضاً لجرائم النظام الإيراني ومليشياته وأفراده وعصاباته وأحزابه مجتمعين والذين سيدخلون بدورهم، في ظل نظام الأسد، للجامعة العربية.

 

فهل ستُضيّع هذه الحكومات، مجدداً، فرصة نهوض الشعوب وهل سترمي بالمنطقة، مجدداً، في قمقم التجهيل والتقهقر، فتشريعها لجرائم الأسد المدعوم من النظام الإيراني لا يعدو كونه موافقة على قتل السوريين وتهجيرهم، فتراهم شركاء في دم كل شهيد وشهيدة وشركاء في لا محاسبة المُعتدين وليسوا شركاء بذلك وحسب بل هم اليوم يحملون حججهم، كخرق بالية، ليمحوا بها أثر الانتهاكات عن أيدي المُجرمين. دون أن ننسى أن هذه التداعيات تأتي بدورها بعد دعوة النظام التركي للمصالحة مع الأسد، فيمكننا التأكيد اليوم اذاً أن أياً من دول المنطقة لم تعبر عن موقف حقيقي في دعم التغيير السياسي في المنطقة، فما نحن فاعلون؟        

 

يستحق تناول الأمر من منظورين، الأول منظور عربي والثاني منظور سوري. 

 

من الرؤية العربية فلا يمكن لأي انسان يحترم هذه الثقافة أن يرتضي أن تبقى مُرتبطة بالانتهاكات الإنسانية وبنظم إجرامية..الخ مما يمثله نظام الأسد الذي تسعى الجامعة لتدويره، رغم محتواه السام لكل تربة حل ضمنها، فهل سيُدافع حاملو الثقافة العربية عن هويتهم الإنسانية ويرفضون أن تحولها هذه النظم لرديف للقمع والشمولية وهل سنشهد رفضاً شعبياً ونخبوي لهذا التطبيع مع نظام الأسد والنظام الإيراني معاً،  بتيار واضح غير متذبذب تجاه بناء الدور الحضاري للعرب في منطقة الشرق الأوسط ونبذ أي أدوار أخرى. هل تستحق جامعة الدول العربية استمراريتها ان هي تجاهلت الضرر الهائل الذي ستلحقه بالعرب وبالسوريين والمنطقة برمتها بعد تطبيعها مع نظامي الأسد وايران الحاليين والمناقضين لجميع قيم الشرائع الإنسانية والسماوية، فان لم تكن دافعة بمصالح أبناء المنطقة جميعهم دون تمييز وبالدفاع عن هويتهم وثقافتهم فلا معنى أساساً لوجودها ان كانت مهمتها حماية المجرمين والعصابات والميليشيات بوجه المدنيين والمسالمين والمتضررين من التغول والهمجية.

 

أما من منظور الثورة السورية، فنمتلك كل الحق اليوم بأن نطالب بتحييد أي دولة دعت للتطبيع مع نظام الأسد، عن جميع الكيانات السياسية الضليعة بحمل راية حقوق الشعب السوري وعن الأراضي الواقعة خارج سيطرة النظام، كل دولة دون استثناء، فلم يعد للتلاعب السياسي أذن صاغية بل نبذ دون مواربة.

فبعد أن حملت سوريا لعقود عبأ المنطقة وبعد أن سمع السوريون لعقد من الزمن أكاذيب وبعد أن فرّغت هذه الدول أحمالها الأيديولوجية وصراعاتها في سوريا وأنتجت بؤر تطرف وارهاب ليس لنا بها أي شأن، فمن الاستحالة أن تستمر هذه المآلات الساعية لاندثار سوريا ولمنع استقرار السوريين والتي تعيق حتى مرور المساعدات الإنسانية في وجه الكوارث والجائحات الوبائية، سوريا لم تعد رهينة مصالح الدول بعد فنصف الشعب السوري ونصف الأراضي السورية تقريباً خارج أسوار مزرعة القمع والشمولية وهي نواة أكثر من كافية لمسار جديد.

أما السوريون ممن لم ينضووا بعد في مطلب التغيير الجذري، فليس عليهم الا النظر في أحوال البلاد فهي لم تستقر منذ اثني عشر عام وبعد عقود تدمير ممنهج غير معلن، ولا تمتلك شبه "الدولة" ضمنها أي امكانية للتصدي لأي من الأزمات بينما البُناة والعلماء والمفكرين والكفاءات السورية مشتتين في أنحاء الأرض، ولا يوجد من يدافع عن حق المواطن السوري المُغيب بفعل ارتهان الحكومات المسيطرة على أرضه التي تقصف عاصمتها دون حسيب ولا رقيب وتحت وطأة ارتهان البلد والشعب لمآرب ايديولوجية لا نهاية لها، لعلهم بعد ذلك يدركون ان تنفيذ التغيير السياسي واجب يثبته الواقع وتدفع به ألوف الاسباب، ليدعموا مع الساعين بناء مستقبل مختلف يحفظ كرامتهم وكرامة الأجيال القادمة.