حروب الشرق الأوسط، هل تقوّم أداء المؤسسات الدولية أم تنهي دورها 

د. سميرة مبيض

٢٧ تشرين الأول أكتوبر ٢٠٢٣

تتالت الأزمات بشكل متزايد في الشرق الأوسط، وأظهرت المؤسسات الدولية المتمثلة بأجهزة الأمم المتحدة عجزاً عن تأدية أي دور فاعل خلال تلك الحروب والصراعات، وذلك الأمر بات معروفاً لدى جميع المراقبين والمتابعين، لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو في مدى وجود دور سلبي لهذه المؤسسات الدولية في ما وصلت اليه الأوضاع في هذه المنطقة تحديداً وذلك عبر نقطتين، عدم الادراك المبكر لهذا المآلات الكارثية وعدم وضع سياسات مُسبقة لتفاديها، فهذه الأجهزة هي التي اضطلعت لعقود طويلة بإدارة كافة ملفات هذه الصراعات على الصعد الإنسانية والسياسية والتعليمية والمعيشية والصحية وسواها، لم تستطع بناء خطوة سلام واحدة يُعتّد بها ويُرتكز عليها في المنطقة.

 

وذلك على الرغم من وجود آلاف الموظفين والمنظمات المُرتبطة بشكل مباشر بأجهزة الأمم المتحدة لكن تأثيرها لم يرقَ لمنع معاناة طفل أو لتفادي هدم مشفى أو مدرسة أو مبنى سكني في أي من المناطق المنكوبة، ويغيب الانطباع الإيجابي عن هذه المؤسسات حتى لدى مُتضرري الحروب ممن يتلقون الاغاثات المختلفة، فهل سيلبث حال هذه المنظومة هو التباكي والقلق على واقع شعوب بلدان الشرق الأوسط، وهل ستقبل الشعوب بعد اليوم بهذا التغافل عن حقوقها وبغياب من يمثل مصالحها.

 

لا يبدو الأمر كذلك، فكلما زادت الفادحة انكشف سوء هذه الأجهزة وبدى واضحاً أن لا مكان لمزيد من تلميع السطوح على حساب تردي الواقع، فقد تبين ارتباط هذه الأجهزة الوثيق بالنظم الشمولية تحت بند الدواعي الأمنية، لكن التساؤل المشروع اليوم هو أي أمن هذا الذي أدى الى ما تشهده الإنسانية من تداعياتِ ما يمكننا تسميته بحقبة الهمجية القصوى، أفلا يحق للمتضررين اليوم محاسبة هذه الأجهزة ذاتها على ادعاء حفظ الأمن بينما يتضح وجود إهمال فاضح للأسس الرئيسية لبناء السلام، عن جهل أم عن عمد فهذه الجهات لم تعد تحظى بثقة أي طرف ساعٍ لبناء الأمان الحقيقي والتنمية والتقدم. 

 

فهل تعمل حروب المنطقة اليوم كأداة تقويم لهذه المؤسسات، أم أن الانحراف خرج عن مسار التقويم حتى وبات من الأجدى المُناداة ببناء مؤسسات حديثة، تمتلك مقومات الدفاع عن حقوق المدنيين المُتضررين لعقود طويلة من همجية المنظومة القديمة، والنموذج الأبرز يبقى الشعب السوري، حيث لم يتوانَ مسؤولو الأمم المتحدة طيلة سنوات الصراع عن لقاء المنظومة المتهمة بجرائم ضد الإنسانية ومنها المجازر الجماعية الموثقة دون التباس، ومن ثم لبيع الوهم عبر قرارات غير قابلة للتنفيذ وللترويج لشخوص ما يُعرفون بتشكيلات المعارضة السورية، ممن يُشاركون بمساعي مباشرة لمحي الهوية السورية ويعززون العسكرة وممن يسعون لتحقيق أجندات دول أخرى على الأقاليم الشمالية السورية، سعياً لبناء كيانات وحيدة الصبغة ومن ثم حصار وتجويع وافناء سُكانها تحت أي ذريعة كما يحصل اليوم في الجنوب السوري، فهل يرتضي انسان بإعادة تكرار سيناريوهات الإبادة تحت أي مسمى أم أن العقلانية الإنسانية ستطغى لنقول بأن زمن النفاق انتهى، بحلته وبمضمونه، ولم يكن الا سوء على سوء، ولتكن سوريا حجر الأساس لبناء السلام في الشرق الأوسط ولنقف سداً منيعاً بوجه هذا الانهيار، فلطالما امتلكت شعوب هذه الأرض الحكمة والبصيرة والأدوات الناجعة حين تفشل الادعاءات وتعود الحقائق لمكانها الثابت الجلي.