أسبوع بعد التعديلات في الحكومة الفرنسية، كالصولفيج دون مُدرَّج.
د. سميرة مبيض
١٥ كانون الثاني، يناير ٢٠٢٤
جاءت التغييرات في الحكومة الفرنسية بعد المواجهات الحادة الناجمة عن تعديلات القوانين التي تم اقرارها خلال الفترة الماضية، والتي نجم عنها تجاذبات شعبية وسياسية ونقابية ثقيلة على الساحة الفرنسية، فبعد قانون التقاعد وغيره جاء قانون الهجرة كالنقطة التي فاض بها الكأس الممتلئ لما تسبب به من انقسامات واستقالات في الحكومة، وتم التعديل الوزاري على أثره مما غير تموضع التيارات السياسية في السياقات المختلفة، فمنذ أسبوع مضى انشغل الشارع الفرنسي بالتعديلات في الحكومة على حساب المناقشة الجدية لأثر القوانين التي تم تعديلها سواء على الصعيد الداخلي، أو على موقع فرنسا العالمي.
على الأخص بما حمله هذا التعديل الحكومي من مستجدات غير مسبوقة في الحكومات الفرنسية، سواء على صعيد تجميع الحقائب الوزارية المتباعدة حيث جرى وضع وزارة الرياضة والشباب وألعاب الاولومبياد مع حقيبة وزارة التعليم على سبيل المثال، رغم ما تبدو عليه هذه الوزارات من تباعد بالكفاءات المطلوبة وخطط العمل والآليات وسواها، على الأخص أن وزارة التربية والتعليم يُفترض أن تشغل أولوية في التفرغ المطلوب لهذا المنصب، وبدا تداخلها مع حدث رياضي مؤقت كألعاب الاولومبياد غير منطقي لشريحة واسعة من المواطنين والمُراقبين، كذلك بدا دمج الحقائب الوزارية لوزارة العمل مع وزارة الصحة غير محبذ لدى الرأي العام الفرنسي، على الأخص بتعيين وزيرة مختصة بقوانين العمل لكنها ليست ضليعة بما يكفي في القطاع الصحي والذي كان أحد نقاط الانقسام الداخلي في الحكومة الفرنسية على خلفية ما طال قانون الهجرة من تغيير بالجوانب المتعلقة بصحة الوافدين للأراضي الفرنسية والتأمين الصحي وغير ذلك من الأمور الأساسية والتي عبّرت الشرائح المختصة عن مخاوف مُحقة تجاهها.
إضافة الى ما سبق حملت الحكومة المُعدلة مناصب يمكن ادراجها تحت مسمى الترضيات السياسية بين الأحزاب التي دعمت تمرير هذه التعديلات في القوانين الفرنسية خلال الفترة الماضية.
لكن هذه المستجدات لم تكن الوحيدة التي شغلت الرأي العام الفرنسي خلال الأسبوع المنصرم، بل هيمنت على النقاشات والمُتابعات الإعلامية تصريحات تتعلق بالحياة الشخصية للمُعينين والتي تناقضت مع المهام الموكلة اليهم، فقد ورد تصريح لوزيرة الرياضة والشباب وألعاب الاولومبياد والتعليم بما معناه أنها تفضل المدارس الخاصة على العامة، وذلك أمر أثار أمواجاً من الاستنكار، بحكم كونه يظهر عدم مصداقية واخلاص تجاه التعليم العام والذي يضم الشريحة الأكبر من الطلاب في فرنسا، كذلك برزت مواقف قديمة لوزيرة العمل تُناهض فيها حقوق الشريحة المثلية من المجتمع ورغم تراجعها عن هذه المواقف مؤخراً فقد بقيت نقطة استفهام على مسببات اختيارها من قبل رئيس الوزراء والذي كان قد صرح بدوره بانتمائه لهذه الشريحة وبالالتزام بالدفاع عن حقوقها، لكن ذلك لم يعفِه من انتقادات طالته لاعتبارات أخرى ومنها نقص الخبرة والمنجزات في الحياة السياسية ما قبل تعيينه في هذا المنصب، إضافة الى كونه يتبنى كُلياً المدرسة السياسية للرئيس الفرنسي مما يُصعّد من مخاوف المتوجسين من الفترة المتبقية من الولاية الثانية للرئيس ماكرون، بعد الاضطرابات الواضحة التي رافقتها على كافة الصعد الداخلية والخارجية.
في ظل هذه المُخرجات، بدا أعضاء الحكومة بعد التعديل كالصولفيج دون المُدرَّج الموسيقي، مُصدرين لنغمات متباينة غالباً ومتناقضة حيناً آخر، سواء في المهمات المنوطة بكل منهم من جهة أو بتجميعهم من جهة أخرى، فلم يصدر طابع موسيقي مُتناغم في الأسبوع الأول على أي حال وقد لا يصدر، وذلك يتطلب متابعة حثيثة من المواطنين والنقابات والشرائح السياسية والمدنية لعموم السياسات الداخلية والسياسات الخارجية، والتي تهمّنا كسوريين متضررين من صراعات متزايدة على الأراضي السورية، لنعمل جاهدين على بقاء بوصلة السياسات الفرنسية سليمة في صف التغيير السياسي الجذري والإيجابي في سوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط، وانهاء الصراعات والحروب والتصدي لاضطهاد الشعوب ففرنسا ليست بالبلد الاعتيادي بل هي أيضاً تاريخ ثورات إنسانية وحقبات تنوير كان ولا زال لها دورها العالمي والدولي الهام.