هل من تواطؤ على حراك الجنوب السوري.
د. سميرة مبيض
١٢ كانون الثاني، يناير ٢٠٢٤
لم يفت وقت طويل على لقاء العاهل الأردني ببشار الأسد، وما بدا عن هذا اللقاء من أجواء التناغم، حتى سارعت الحكومة الاردنية لاحقاً لتغيير الخطاب، ظاهرياً على الأقل، لتَتهم حكومة بشار الأسد بعدم التمكن من ضبط الحدود على خلفية التجارة بالممنوعات، ولتضطلع الحكومة الأردنية في هذا السياق للقيام بعمليات عسكرية على أراضٍ سورية في الأقاليم الجنوبية.
في هذه المجريات يجدر التنويه الى عدة نقاط هامة يتوجب على السوريات والسوريين التنبه لها، فاتهام منظومة بشار الأسد بعدم التمكن من ضبط الحدود أمر محق تماماً، غير أن عمليات التجارة بالممنوعات عبر الحدود لا ترتبط بأفراد بل يتورط بها بشكل أساسي شبكات من دوائر السلطة الضيقة، وهي بالتالي لا يمكن الحد منها بقصف هنا وهناك، بل هي مرتبطة بوجود منظومات الحكم البائدة، ووفق هذه البديهة فان أي توجهات عسكرية تقودها جهات تسعى لتشريع منظومة بشار الأسد تفقد مبرراتها المعلنة، فعلى الحكومات الساعية فعلياً لضمان الأمن الإقليمي أن تكون أول الرافضين لاستمرارية منظومة لا يضبطها القانون ولا تضبطه ويستشري الفساد واللامحاسبة في كافة مفاصلها.
بفقدانها مُبرراتها المعلنة تصبح هذه العمليات العسكرية التي تقوم بها الحكومة الاردنية قيد سؤال مشروع من قبل الشعب السوري بكافة أطيافه وذلك لعدة أسباب، منها أنها تحابي منظومة بشار الأسد المتهمة بارتكاب انتهاكات إنسانية من جهة، وتنتهك بدورها القوانين الناظمة لسيادة الدول والشعوب من جهة ثانية، كما أنها تُقابل بصمت التواطؤ من قبل منظومة بشار الأسد وحكومات عدّة في المنطقة، فهي تطال بشكل خاص مناطق سوريا الجنوبية والتي لا زال فيها الحراك السوري مُتقداً بصورته المدنية الجلية مكذباً الادعاءات والزيف ومساعي أي جهة بحرف حراك الشعب السوري ووسمه بما ليس فيه، ومُثبتاً لمسار سوريا الحيادي عن صراعات أي جهات إقليمية ودولية ورافضاً لتفريغ أي ايديولوجيات منحرفة على أرضها، وتلك مطالب حق لا تخلّي عنها للنجاة بسوريا من مسار التدمير الذي تقوده المنظومة القديمة بكافة أطرها.
فيبدو سياق المُتاجرة بالممنوعات اذاً مُهدداً لأمن الجنوب السوري بشكل رئيسي ولأهله من الطامحين ببناء دولة سوريا الحديثة على كافة الصعد، قبل أن يكون مهدداً لأي جهة أخرى أو لدول الجوار، ومن هذا المنطلق فهو يتطلب إجراءات سورية حازمة لتفادي أي تغوّل على حقوق أهلنا بالجنوب وأراضيهم ومطالبهم المُحقّة.
فبحكم تكريس المؤسسات الأمنية في سوريا فقط لحماية المنظومة السلطوية البائدة، فقد بات مشروعاً للسوريين في كافة المناطق الضلوع بالحماية الذاتية وضبط الأمن المحلي، ومن هنا تبرز أهمية تكليف لجنة تحقيق حول هذه المزاعم، لجنة سورية من أبناء المناطق الجنوبية تردفها المؤسسات الدولية ذات الصلة وحكومات دول الجوار المتعاونة بالأدوات والمعطيات اللازمة للتحقق من هذه الجرائم وللتصدي لها بجهود محلية فلا يعقل لمسألة بهذا الحجم أن تعتمد على بعض الصور المنشورة من هذه الجهة أو تلك دون تحقق من جهة حيادية ودون كشف أسماء المسؤولين فعلياً عن هذه التجارة والمطالبة بإيقاف نشاطهم بصورة قانونية لإنهاء هذه المسألة برمتها وليس الاكتفاء باستخدامها السياسي من قبل أي طرف.
ويبقى هذا الاجراء آني ونقطة في بحر المطلوب من أجل سوريا وحماية أهلها من الانتهاكات الجسيمة التي طالتهم من كافة الاطراف عبر عقود طويلة، فالانطلاق من الحالة المحلية يجب أن يُدعّم بمطلب سياسي أعم لتشريع هذا الحق بعموم أنحاء سوريا، بعد فقدان المنظومة القديمة لكفاءتها وعدم ضلوعها بأي من واجباتها تجاه السوريين، فلا يمكن الاعتماد على دول الجوار في أي منطقة سورية لتحمي المواطنين بل يجب إيجاد حلول جذرية تؤسس لبناء دولة سوريا الحديثة بعيداً عن المنظومة الشمولية ومسارها الكارثي، وانطلاقاً من حقيقة الشعب السوري واحتياجاته وضمان أمنه ومستقبله بالدرجة الأولى، وهو ما سيحقق أمن المنطقة للمهتمين به، وهو ما سينعكس ايجاباً على الأمن العالمي للساعين له، فليكن الجنوب السوري كما عهدناه، مهداً وشعلة لكلمة الحق ولترجمتها لتنفيذ فعلي ومستدام بوجه الهمجية والتغول من أي جهة كانت.