سوريا، هل يتناسى السوريون دعوة الواجب.

 

د. سميرة مبيض 

٢٧ Nov ٢٠٢٢ 

 

هل يجب أن تكون الحرب هي الصارخة لنستجيب لدعوة سوريا لإحيائها بكلمة، هل يجب أن يكون السلاح والعسكرة هما الأدوات لتمتد الأيدي لحماية الأرض السورية وما بها وما عليها، هل يجب أن يكون المال هو الدافع لترتفع الأصوات.. بئس تلك الصرخات وتلك الأدوات وتلك الدوافع اذاً، اذ لم تقدم الا ما نراه اليوم من دوران المعنيين بها في    تخبط واضح في السياسات ونتائجها.

 

يتقافزون بين خلافات، واستانات، ومؤتمرات وهمية برعاية فلان وعلّان، وأوراق مرمية سلفاً، وتيارات متهالكة متفككة، في عالم يسير قسراً نحو الامام حيث انتهى الماضي كما يحكم المسار الطبيعي للحياة.

وفي وقت يفترض بأن يكون العامل الذاتي هو دعوة الواجب، لا زال كثيرون ينتظرون وينظّرون. لا نعلم فعلياً ماذا ينتظرون والى متى سينظّرون دون أن يتفاعل العمل مع الارادة لخلق سوريا الجديدة، وطن يستحق الوجود، ليس لينظم فعاليات عالمية ولا ألعاب رياضية بل وطن انسان عامل ليعيد لميزان الحق استقامته، وطن انسان مزارع يعيد للقمح قيمته، وطن لسان قويم يعيد للخطاب قدرة البناء، وطن لابتسامة طفل وامرأة وكهل وشاب لا يميز ترابه بين الألوان والاعراق والانساب بل يميز في الانسان عمله وحسب، ليضم بين جنباته ما زرعته حضارات هذه الأرض حينما انطلقت ونمت وكبرت جذوراً وفروع في أنحاء العالم أجمع.

 

العمل اليوم، في قضية يجب أن تُفرض ذات توجه أفضلي يعطي الأولوية لاستقرار المنطقة والعالم. القضية السورية التي يحاول العالم غض نظره عن مسؤولية الجميع عن تدميرها، محاولات فاشلة والالتهاء عنها بكرة هنا وكرة هناك لن يجدي ولن ينفع، عودة على ذي بدء بما يضبط إيقاع بناء دولة القانون والمواطنة والأنسنة في هذه الارض، دستور ناظم للعلاقات وللحدود وللمصالح وللثقافات، ليس بيراع الكذب ولا بقرقعة السلاح بل بإزميل على حجر حي أضافت عليه كل من الحضارات المولودة على هذه الأرض حرفاً ورقماً ونغمة ورسماً واداة واختراعاً وتستمر، ولا بهيمنة أي طرف ولا أي جهة على الصوت السوري بل بكون الدستور ملك لكل انسان عاقل بصير حكيم رشيد.

 

ليتحرر الدستور اذاً من سنوات التلاعب بالسوريين من جهات تعتاش على موت وطنهم تحت أي مسمى، ليكن هناك هدف واحد هو التأسيس لدولة سوريا الحديثة يجمع السوريين في كافة المناطق لتتحرر بها كلمتهم، وعلمهم والموارد المعطاءة التي منحتها هذه الأرض لأبنائها وبناتها ليس لتستخدم كسلاح ضدهم، بل كدرع داعم لما ينتظر العالم من تغيير على كافة الصعد الاقتصادية، التجارية، الطاقوية، العلمية والمعرفية، لتكون سوريا ضمنه يد خير وتيار دافع نحو مصير أفضل للإنسانية.

 

سيتساءل البعض هل لا زلنا نمتلك القرار السوري، والجواب ايجاب، فلا يمكن للملف السوري التقدم دون طرف يدافع عن مصالح السوريين بنزاهة عن كل مصلحة أخرى وهو طرف مُغيب بسبب تغول الطامعين والمُطمّعين، لا يمكن له التقدم دون أن تكون اليد العليا لمن يعرفون ذواتهم وساعون لاستعادة حقوقهم، فالسوريون اليوم ومعهم كثير من شعوب الأرض التي فقدت تدريجياً طابعها الذي يشكل جزءاً لا يتعوض من لوحة الإنسانية الفريدة الجامعة هي شعوب ساعية لاستعادة مكانها ومكانتها وعسى أن تنجح بذلك جميعها لتنتهي حقبة الانقسام والتغول والتدافع والتدهور البشري ويبدأ مسار جديد تستحقه الأجيال القادمة، تدعمه تقنيات نقية وأفق واضح جلي لا يشوبه ضباب حروب وصراعات ونزاعات ولا تلوثه التفاهات والزيف والسطحيات الزائلة، مستقبل ينعم بالجوهر كما نعمت به الحياة حين نشوئها وحسب وعساها به تستمر.