رسالة الى النساء، في زمن الهمجية.
د. سميرة مبيض
٢٨ تشرين الأول أوكتوبر ٢٠٢٣
مشاهد مروّعة، تُزرع في شُغاف قلوبنا يوماً بعد يوم، صرخاتكنّ للجثامين الصغيرة تحمل ما هو أكثر هولاً من حزن عابر، بل هو حزن الأجيال سمعناه في ذرات التراب الحي في سوريا وفي همس الأنهار العظيمة في العراق وفي حفيف أوراق الأرز في لبنان ونسمعه اليوم في زيتون فلسطين.
حزن حُفر في حجارة عواصم بلاد الشام كنداء لحظات الولادة، لغة لا تفقهها الا الحياة، لغة لا يُواريها الموت ولا تندثر، ها أنتنّ تتلونها على مسامعنا من جديد، كتراتيل ملائكية من كُتُبنا المقدسة، لتُحيي حروفا من توراة وانجيل وقرآن ولوائح الشرائع والحقوق الانسانية الواحدة الممتدة زماناً ومكاناً.
فمن يستطيع بعد اليوم إيقاف حروفنا، ومنع أصواتنا، تنبت في الأرض لتتلقفها نجوم السماء بصدى أبدي، لنثبت مطلبنا لا حياد عنه، نعم للحياة، لأبناء وبنات هذا التاريخ الذي بنى الحضارة وأضاء نورها سراجٌ على دروب البشرية، نعم للحياة، لأجيال قادمة لن تستوي المسارات دونها، فما نحن الا رافعات رسالة أمهات المشرق الأولى، بها تُفرض على الحرب السكون، ليكون عمار ويكون بناء ويكون للتحضر مستقبل نشأ من هنا وهنا سيكون عماده دوماً.
فلا نهج يحارب السلاح الا نهج الحياة، نراه في أمٍ لا تباعد جثمان طفلها عن وجهها، تراه يصلي وتراه يضحك وتراه يسير بين الانقاض مرسلاً للعالم رسالته، رسالة للبقاء وليست للرحيل، فكيف العمل، لتكون أرضٌ ويكون أمنٌ ويكون مستقبل، ولتستعيد سيدات بلاد الشام أثوابهن المُطرزة بخيوط تجمع ألوان العالم، كيف العمل لنحقق النبؤة في أرض الأنبياء، فلا بكاء هناك ولا صرير الأسنان، وهل من يستطيع حمل هذه النبؤة وتحقيقها الا نساء هذه الأرض، وهل من يعيد للأديان قوامها الحقيقي الا هُنّ، بعد أن غرس الطمع والسلطوية أنياباً وأظافر في مُسمى الدين وكهنته ورجاله وشيوخه المزيفين.
فلا استسلام للهمجية ولا لإنهاء رمزية أرضٍ لصالح من يرى بها ممراً لأنبوب غاز من هنا ومسلك نفط من هناك وطريق تجارة على أرواح البشر، بئس ما يتاجرون، فليس على ذلك بُنيت العهود والمواثيق المُؤسسة بل بُنيت على توازن لا تشوبه شائبة فصمدت ودامت منذ الأزل، أساسها احترام الحياة وأدواتها العلم العميق والمعرفة، وليس للتغول بها مكان ولا موقع.
فهل من هدف أسمى لنبنيه الا مسار صاعد لجذورنا، لشعوبها، لثقافاتها، لإنسانيتها، لمستقبل أجيالها، فلا تُجرف ولا تُحرف عن مسارها، ومن لها لتنبت الا يد النساء في وجه الهمجية، عالمات، عاملات، أمهات، معلمات، محاميات، اعلاميات، راهبات، صحافيات، ممرضات وطبيبات، وكل عمل وخطوة وفعل يندرج تحت هذا الهدف، له مكانه ودوره المنتظر، فلا تبخلن على الحياة مما منحت.