تمثيل المسيحيين في لبنان، قسمة الصراع بين السُنة والشيعة

د. سميرة مبيض

21/05/2022

 

تعكس النتائج الانتخابية في لبنان واقع مسيحيي منطقة الشرق الأوسط بعموم بلدانها وعلى الأخص منهم دول بلاد الشام التي قُسمت ورُسمت حدودها وفق منظومة ايديولوجيات قومية ودينية مُصطنعة ليس لها أسس طبيعية، صُنعت عالمياً بعد الحروب العالمية وفُرضت أدواتها على المنطقة من نظم قمعية ومثقفي سلطة واعلام مُصنع للعنصرية وشبكات السلاح وكهنة ورجال دين مزيفين الى ما هنالك من أدوات تنظيرية وعملية تم تناولها سابقاً. اعتقاداً من واضعي هذه المنظومة أنها ستحقق الاستقرار والأمن، لكن وكأي نظام غير متناغم مع الواقع والمحيط فهو يخلق حالة نقيضة منفلتة النتائج والآثار وها هي شواهد اليوم حصاد مر لما زرع البارحة وهو مُرٌ يعم العالم لأن قاعدة التطور متناغمة ولا تقبل التباين.

 

في ظل هذا كُله لطالما استخدم مسيحيو المنطقة كقسمة للصراع بين تيارات دينية وايديولوجية يتم تحريكها لتحرّك نزاعات داخلية تمنع تحقيق الاستقرار وتنفذ نظرية تصنيع العدو، فتتجاذبهم هذه التيارات وتتبارى باكتسابهم ولعل تياري عون وجعجع أكبر مثال على هذا التجاذب، بين تحالف الأقليات والتحالف الذمي يُوضع المسيحيين تحت وصاية التيارات الشيعية أو السنية وفي كلا الحالتين تحت فوهة السلاح، أي فوق حفرة التضحية المستمرة بأبناء هذه البلاد كجنود قضية مسلحة وتقاسم هيمنة هم فيها تابعين مُسيّرين غير آمنين وغير مستقرين، مدفوعين عن جهل حيناً وعن عمد أحيان أخرى كثيرة الى الهجرة القسرية هرباً من الصراع والموت التدهور في جميع أطر الحياة، ورغم وجودهم الراسخ في أرجاء بلاد الشام دون استثناء باتوا دون أرض، تستغلهم كافة الأطراف لتعويم قضاياها ولادعاء الحماية الكاذب. 

يمتد ذلك ليشمل القضية السورية وكيف يتم استغلال المسيحيين من قبل نظام الأسد والمعارضة بأقسامها المختلفة التابعة لعدة دول ومحاور أيديولوجية غير سورية، بحيث يسعى كل طرف للهيمنة على صوت المسيحيين وطيه تحت بندقية ما وايديولوجية ما وادعاء حمايتهم في حين أنهم سيكونون من أول المُهجرين والمتضررين. 

يمتد ذلك ليشمل القضية الفلسطينية بدورها، ولعل شيرين أبو عقلة أحد الأمثلة البسيطة على حالة الترويع المُسلح من قبل طرفي الصراع والذي يستهدف بيد واحدة وببندقية واحدة الأصوات المدنية المسالمة.

يتغنى بعض أصوات الطائفية اليوم بانتزاع ما يعرف بورقة المسيحيين، مع العذر لكل من سيجرحه هذا المُصطلح لكنه واقع مؤسف، وفي الحين ذاته يهمش الصوت المسيحي المدني ويهاجم من جميع الأطراف لكونه خارج لعبة القتل والموت.

 

هذه الدوامة المُستمرة في المنطقة منذ عقود والتي لم تكتفي بعد من أعداد المُهجرين والشهداء وها هي اليوم تُهيء لحرب جديدة بين الاذرع المسلحة التي تصعد على أكتاف معاناة الناس وفقرهم وتشردهم واستهلاك حقوقهم ومنع بناء استقرارهم وأمان أبنائه. دوامة يتبرأ منها أي دين سماوي، يهودي، مسيحي، أو مسلم ولا تمت لأي شرائع قيمية مما وُجد وسيوجد في هذه المنطقة ولا في العالم ولا تنتمي لا للشرائع الأولى للإنسانية ولا للوائح حقوق الانسان الدولية التي تتبناها الدول اليوم. انما هو مسار قائم لتغذية شبكات السلاح والمافيات التي تعيش على دماء المدنيين وتستخدم الأديان أداة شر عوضاً عن مفهومها الأساسي كشرائع ارتقاء بالإنسان في أطر تواجد وتطور مشترك.

 

لا تمثيل للمسيحية في ظل السلاح من جهة ولا في ظل العنصرية من جهة أخرى ولا تحت وطأة الذمية ولا الأقلوية، فالتعاليم واضحة ضد التغول بجميع أشكاله ومع حفظ كرامة الانسان والحياة أينما وُجدت، وهي تعاليم مشتركة للأديان والشرائع الإنسانية منذ وجدت، ولا تحتاج هذه القيم لحماية السلاح فهي دستور في وعي كل من آمن بالإنسانية وبحق الحياة، مسيحي كان أم مسلم أم يهودي أم يزيدي أم درزي أم علماني،  فمع سلاحكم أو بدونه حملة هذه القيم باقون، وسلامنا سيف قاطع بوجه الهمجية لتحييدها عن تقويض بناء الانسان، فلا يتحدث أحد باسم أحد، لنا قيم حماية جوهر الانسانية والحياة ولكم قيم الرصاص والهمجية والعنصرية والتغول وبيننا مسار الماضي والمستقبل حَكَمٌ قاطع فيما يبني وما يهدم ولكل اختياره ولا نحمل وزر قطرة دم واحدة من أي دين أو مذهب بل نحمل قيمنا وبها نفتخر ونتمسك بثبات.