حياد شعوب بلاد الشام عن صراع المُوتورين.
١٤ نيسان ٢٠٢٤
د. سميرة مبيض
لا بد أن بعض حلقات الرسوم المتحركة القديمة، كالرجل الحديدي أو غريندايزر أو غيرها، تبدو أكثر مصداقية للمشاهدين من أمسية الطائرات المُسيرة التي وجهتها الحكومة الايرانية تجاه أراضي تسيطر عليها الحكومة الإسرائيلية في مسرحية جديدة وراءها أهداف عدّة للحكومات العسكرية التي تفرض نفسها على المنطقة، أهمها مساعي كلا الطرفين وداعميهم، باستعادة موقع ترهيب شعوب المنطقة، بالهجوم أو بالدفاع سواء، فهذه الأطراف المتضادة بالظاهر والمتشابهة بما تتبناه من نهج العسكرة وسيناريو صنع العدو واستخدامه كأداة ترهيب، تتكامل في أدوارها وتقع بموقع واحد بمواجهة المتضررين من الحروب التي يؤججونها والمتضررين من التجييش الذي يعملون عليه منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمن.
ولعل السخرية التي أبدتها شريحة واسعة من شعوب المنطقة اليوم تجاه ما رُوّج له بكونه رد الحكومة الإيرانية على قصف سفارتها، ان دلت على شيء، فهي تدل على انتهاء فاعلية سيناريو التلاعب السياسي المسمى الصراع الإيراني/ الإسرائيلي وتحوُّله لمادة هزلية، وليس ذلك فحسب بل تنتهي معه فاعلية سيناريو التلاعب السياسي المسمى الصراع العربي/ الإسرائيلي بما أُعلن عنه من اغلاق حكومات دول عربية مجالاتها الجوية تضامناً مع الحكومة الإسرائيلية. لنشهد بذلك انتهاء حقبة زمنية وصمها الكذب، تنتهي بيد من تضرر فعلياً من هذه الهمجية وهذه العسكرة على مر عقود من الزمن، بيد المدنيين من شعوب وحضارات منطقة بلاد الشام التاريخية والجغرافية بتنوعها الذي يمتد ليوازي تنوع الإنسانية قاطبة، هذا التنوع الثقافي والإنساني الذي لطالما حاربته الحكومات العسكرية بفرض صراعات وسيناريوهات لا مكان لها في هذه الأرض ولا في ثقافة هذه الشعوب، صراعات وسيناريوهات وُضعت بهدف السيطرة على المنطقة ودولها وتجميد وتجهيل مجتمعاتها وتدمير تحضرها وبُناها التحتية ومنع نهوضها وسلب مواردها، كل هذه المساعي المنحرفة عن المسار الإنساني القويم تلاشت بمواجهة قبة حقيقية، ليست حديدية هذه المرة بل هي أشد وأصلب، قوامها وعي الناس بذواتهم وبماضيهم وبمستقبلهم وبإرادتهم بنهوض بلدانهم وتحييدها عن أيدي المعتوهين الذين لا يفقهون سوى همجية القتل والسلاح.
فها نحن اليوم، شعوب تمدن وتحضر وحياد إيجابي تجاه الانسان وثقافاته اللامتناهية بالتنوع ومحيط حياته وأرضه وضمان أمنه على كافة الصعد واستمرارية بقائه وشروط ازدهاره وتقدمه، ها نحن، شتاتٌ في العالم أجمع بسبب فشل السياسات في الشرق الاوسط من قراءات وتقسيمات حدودية خاطئة وعسكرة همجية، سياسات يظللها مجلس أمن يناكف بعضه بعضاً بالفيتو والناتو ويغرق في أطنان من قرارات غير تنفيذية تخدم بشكل مباشر أو غير مباشر لوبيات الصراع ومرابح الأسلحة، لكن التكلفة في هذه الحقبة أكبر من قدرة المنظومة السياسية القديمة على الدفع، فعلى خلاف المراحل الماضية فلا ثمن لفقدان التحضر الإنساني، فقد بات دُعاة الحروب اليوم هم ذاتهم دُعاة لانقراض الإنسانية وذلك أمرٌ جلل.
قيمياً لنواجههم بمعاناة شعوب المنطقة من الصراعات التي ابتدعوها ومآلاتها الكارثية، وسياسياً وقانونياً لنواجههم بحق مواطني أي دولة بالسيادة وبمطلب حياد أراضيها عن الأنظمة العسكرية ومنتجاتها بكافة أشكالها ومسمياتها. فلن نحمل وزر الجهل بأي حال من الأحوال، لذلك فتوثيق الكلمة والموقف اليوم واجب مُضاعف لئلا يدعي أحد أنه لم يقرأ أو لم يسمع أو لم يفقه مواقف ثابتة رافضة لذرائع وسيناريوهات العسكرة التي تقودها هذه الأطراف لغايات المُستنفعين المربحية أو الترهيبية أو الأيديولوجية أو السلطوية أو غيرها، لئلا يدعي أحد أنه لم يقرأ أو لم يسمع أو لم يفقه مواقف ثابتة بالدفاع والايمان بأرض غُرست في ترابها خطوات الانسان وخطوطه الأولى وبها ومنها تولد من جديد.