مواقف تشكيلات المُعارضات السورية تجاه إعادة تدوير نظام الأسد اقليمياً.

د. سميرة مبيض

٢٦ شباط ٢٠٢٣

في توصيف للوضع الإقليمي المُحيط جغرافياً بسوريا اليوم، فقد صرحت الحكومة التركية منذ عدة أشهر عن مساعيها لإعادة تدوير نظام بشار الأسد، تبع ذلك توجه حكومات دول من الجامعة العربية للسعي لنفس الهدف التركي وعلى رأسها حكومات دول الخليج والتي تعتبر اليوم المُحرك الرئيسي لهذه المساعي على الصعيد العربي، لتنضم هذه الحكومات لما عملت عليه إيران خلال العقد المنصرم من محاولات تثبيت المنظومة الشمولية القديمة، والتي تتبع لها حكومات دول المنطقة، والتي فُرضت على الشعوب منذ القرن المنصرم ضمن سياق للتقسيم والتقاسم الناجم عن الحروب العالمية ووفق نتائجها. يُضاف لهذا الوضع الاقليمي الوضع الدولي المُتعلق بالمحور الروسي والمحور الأميركي والأوروبي ودعمهم بالتتالي لكلا طرفي النظام والمُعارضات السورية، لكن ما تتناوله السطور القادمة يتعلق تحديداً بمواقف تشكيلات المُعارضات السورية تجاه المسعى الإقليمي المُباشر لإعادة تدوير نظام الأسد والذي يفرض ثقله على مطالب نهوض الشعب السوري وتحرره.

 

فمنذ بدأت هذه التصريحات لحكومات الدول الإقليمية عقدت هذه التشكيلات ومنها بشكل رئيسي الائتلاف، هيئة التفاوض، الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ وقسد ومسد، عديداً من الجلسات الاعلامية والتصريحات المتعلقة بعدة أمور لكن أياً منها لم ينتقد مواقف حكومات الدول الإقليمية بشكل واضح ولم يعلن تبرؤ أي تشكيلة سياسية من هذه المواقف أو من تداعياتها بل جاءت التصريحات مغمغة وضبابية وأقرب للتماهي مع توجهات هذه الحكومات والتي ترعى بشكل مُباشر أو غير مباشر تشكيلات المُعارضات السورية، لعلنا نستذكر اليوم كيف دأبت هذه الحكومات والتشكيلات المُعارضة التابعة لها خلال العقد المنصرم على اطلاق تصريحات نارية متحاربة بين بعضها البعض، وعملت بخلافاتها البينية على تخريب أي توجه جامع للمعارضة السورية قائم على أساس التغيير السياسي الجذري، هذه التشكيلات ذاتها نراها اليوم تتناغم على هدف تركي، عربي، إيراني بإعادة تدوير نظام الأسد مُتجاهلة مطالب السوريين بالتغيير الجذري.

 

ولعل أكثر هذه التصريحات تقهقراً هي ما ورد عبر موقع الشرق الأوسط عن موقف رئاسة مجلس سوريا الديمقراطية بتاريخ ٢٥ شباط من عام ٢٠٢٣، بأن التعامل ((غير المشروط )) مع نظام الأسد لا ينتج حلاً سياسياً، مما يدل أن أفق التعامل مع نظام الأسد مقبول لدى مسد لكن بشروط، وذلك رغم وضوح رفض نظام الأسد لأي شكل حكم لا مركزي في سوريا ورفضه بالاعتراف بتعددية الهوية السورية وعلى الرغم من وضوح أنه لن يقبل بأي شروط وفق ما ظهر من مواقفه بعد عقد من المفاوضات العبثية، كما أنه من المستهجن للغاية أن تُطالب رئاسة مجلس سوريا الديمقراطية، عبر نفس تصريحاتها الواردة لموقع الشرق الأوسط، بمشروع عربي لحل الأزمة السورية ووضع خريطة طريق للحل السياسي من قبل جامعة الدول العربية، متجاوزة بذلك جميع السوريين وسيادتهم واستقلالية قرارهم السياسي ومُطالبة بوضعهم تحت وصاية جامعة الدول العربية إضافة الى خضوع هذه الجهة عبر هذه التصريحات بشكل غير مباشر للمطلب التركي المُبتدأ بمساعي التطبيع مع الأسد، مما يجعل مسد اليوم بنفس موقع التشكيلات الأخرى دون فارق يذكر. 

 

فبالرغم من أن منطقة الشمال السوري الخارجة عن سيطرة الأسد والتي تقارب نصف مساحة البلاد هي الحامل الأبرز اليوم لبناء نواة سوريا الحديثة بما تضمه من مواطنين، تمسكوا بمطلب التغيير الجذري والنهوض بسوريا وثبتوا على مواقفهم رغم ما طالهم من شديد الظلم والقمع، وبما تمثله هذه المنطقة من تعددية الهوية السورية، رغم ذلك نرى سلطات الامر الواقع والتشكيلات السياسية المفروضة هنا: الائتلاف، هيئة التفاوض، الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ ولحقت بهم مسد مؤخراً، تتخلى عن هذه الفرصة الهامة لتحرر الشعب السوري ونهضة بلاده وتنضوي جميعها ودون استثناء تحت مطلب وضع سوريا تحت الوصاية الاقليمية والتطبيع مع نظام مولد للتطرف، ارتكب جرائم انتهاكات بحق الإنسانية وبحق المواطنين السوريين، واضعين جدلاً مصطلح ((المشروط)) للتعمية وحسب عن الخطوة اللاحقة الكارثية لهيمنته على عموم الشمال السوري ودفن مكتسبات السوريين الذين دفعوا ثمنها تهجير نصف الشعب ومئات ألوف الشهداء والمعتقلين. 

 

هذا السيناريو الكارثي الكاره للشعب السوري، والذي يلغي الهوية والسيادة السورية والساعي الى أن يُخضع السوريين لعقود قادمة لسياسات عنصرية وتمييزية سلبية ضدهم والساعي لنهب موارد السوريين ومنع نهوض بلادهم ولتثبيت قوات همجية تتحكم بمصائرهم، هو سيناريو مرفوض لكل من أخلص لهويته ولتاريخ هذه البلاد ولحضارتها ولكل من تبنى الدفاع عن معاناة هذا الشعب والذي فقد تدريجياً فئات عديدة من مكونات شعبه الأصيلة والتي تعرضت للتهجير القسري وللاضطهاد سعياً لإفقاره ولاندثاره.

فلتكن تصريحات الخنوع والخضوع هذه والواردة على ألسنة من يدعون عكس ما يفعلون  درساً اضافياً يزيد تمسكنا بمصالح بلادنا وبهويتنا وببناء المسار المُحقق لهدف بناء سوريا الحديثة، دولة ندية متكافئة مع بقية دول الإقليم وليست تابعة لأحد، وبتحييد هذه الأطراف السياسية المُصنعة والتي يتتالى سقوطها عن هذا المسار، فلا براغماتية سياسية، متهاونة وخاضعة، تعلو عن مطلب بناءدولة المواطنة والقانون كما يستحق أهل سوريا وأبناؤها.