التغيير الجذري في المنظومة القديمة

د. سميرة مبيض 

16/07/2021

 المنظومة القديمة  في سوريا والمنطقة هي مجموعة الأطر السياسية والتوجهات العامة الإدارية الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية التي أُسست بناء عليها الدولة السورية بعد انتهاء الحقبة العثمانية والحروب العالمية  وعليه فان اعتبار أي توجه سياسي أو اجتماعي منتمياً للمنظومة القديمة لا يعد اتهاما لأي جهة أو فرد أو طرح بل هو تاكيد دائم أن علينا التفكير بأطر حديثة لتجاوز ما أدى بسوريا على كافة الصعد.

 

  تطرح اليوم من قبل تيارات سياسية أو مجموعات أو أفراد أوراق ووثائق لا تخرج عن أطر المنظومة القديمة ويمكننا الاشارة في هذا السياق للنقاط التالية: 

  • تعتبر هذه الأوراق أن تدهور حال سوريا يعود فقط الى نصف قرن من الحكم الاستبدادي، بينما الواقع أن ما نشهده اليوم من تقهقر سوريا على كافة الصعد يعود منشأه لقرن من الزمن وللخطأ الأساسي بتأسيس الدولة السورية وفق  تسويات سياسية ومعادلة تقاسم القوى بعيداً عن واقع السوريين ودون الاخذ بعين الاعتبار لغياب عوامل أساسية من أجل حياة واستمرارية سوريا واستقرارها، وبالتالي فان إعادة انتاج هذه الآلية سيؤدي حتماً لنفس النتائج ولاعادة اجترار الفشل لعقود طويلة قادمة.
  • النقطة الثانية التي تظهر في كثير من هذه الأوراق هي في  تقييد خيارات السوريين بحدود سوريا المُرسمة وفق معادلات تقسيم المنظومة السابقة في حين أن هذه التقسيمات لم تأخذ بعين الاعتبار الامتداد المكاني للبنى المجتمعية ولا العوامل اللازمة لاستمرارية الحياة والاستقرار ضمنها.
  • النقطة الثالثة التي تظهر في كثير من هذه الأوراق هي تقييد خيارات السوريين بشكل نظام الحكم وفق معايير المنظومة القديمة في حبن ان العالم يتجه لنظم حكم حديثة وأكثر كفاءة وقدرة على تحقيق الحوكمة الرشيدة والإدارة السليمة وضمان الاستقرار والامن وسيادة الشعوب.
  • النقطة الرابعة التي تظهر في كثير من هذه الأوراق هي في تصنيف السوريين وتجمعاتهم بناء على صفة تسمى (حالة وطنية أو تجمع وطني أو شخصيات وطنية) وهي حالة غير معرفة، كانت تعد أحد اهم مرتكزات المنظومة السابقة التي بناء عليها تم ويتم تخوين كل من لا ينضوي تحتها بينما تحتاج سوريا المستقبل للعمل من منطلقات المصلحة العامة للمجتمع وفق مبادئ واضحة تحدد بنقاشات وتفاعلات سورية لحين الوصول لها.
  • النقطة الخامسة التي تظهر في كثير من هذه الأوراق  هي التركيز على اللامركزية الإدارية  وذلك يقيد خيارات السوريين في مفهوم اللامركزية وهو لا يختلف كثيراً عما كان سائدا في المنظومة القديمة بل ينضوي ضمن هذا التوجه تشويه لمفهوم الفيدرالية واتهام التيارات السياسية التي تتبناه بالانفصالية بينما هو نظام حكم لا يؤدي لانفصال أو لانقسام أي دولة والامثلة عليه في العالم المتقدم كثيرة جداً.
  • النقطة السادسة التي تظهر في كثير من هذه الأوراق تتعلق بتوصيف الانتماء السوري بكونه انتماء للحضارتين الإسلامية والعربية وهو ما كان سائداً في الحقبة المنصرمة ولكنه يخالف الواقع السوري ففي حين تشكل هاتان الحضارتان جزء هام ورائد من الحضارة السورية لكنهما ليستا حصريتين فالانتماء السوري قائم لجميع الحضارات التي نشأت واستمرت في المنطقة على اختلاف القوميات والأديان ويجدر الإشارة لها جميعاً الى جانب الحضارتين العربية والإسلامية أو الاكتفاء بالإشارة الى أن الانتماء لجميع الحضارات التي نشأت على الأراضي السورية وتركت أثراً حياً لغاية اليوم.
  • النقطة السابعة التي تظهر في كثير من هذه الأوراق  بأنها  تتهرب من تثبيت حالة المساواة الجندرية وهو أمر موروث من  منظومة ماضية لن يستقيم أي مستقبل لسوريا بدون تقويمه لذلك فكل ابتعاد أو تحايل على هذا المفهوم يعد مسبباً لمزيد من التقهقر والجمود.

.يصبح جلياً بتفكير موضوعي وعقلاني أن الحل الأمثل للخروج من أطر المنظومة القديمة التي أثبتت فشلها ونتائجها الكارثية في سوريا هو العمل على وضع دستور تأسيسي حديث، يتفادى جميع المبادىء والتوجهات التي منعت تقدم البلاد ونهوض مجتمعاتها  بل أدت لتحويلها لبؤرة لانتاج التطرف والفساد وتكريس الفقر والمعاناة، هذا الهدف التأسيسي هو ما علينا العمل عليه.