سأبدأ من حيث انتهى مونديال قطر

د. سميرة مبيض 

٢٠ ديسمبر كانون الأول ٢٠٢٢ 

لا تدخل المباريات العالمية لكُرة القدم في أولوية اهتمامات كاتبة هذه السطور، على الأخص ببعدها السياسي والتنافس المالي والدعائي الذي تتسم به سلباً اليوم وما فقدته من المعاني الرياضية للصحة السليمة والمفاهيم التنافسية السوية، رغم ذلك سأبدأ هذا المقال من مونديال قطر لأدخل من أحد ملاعبه الى سوريا التي لم تكن حاضرة في هذا الحدث ولم تكن حاضرة في أي أحداث عالمية أخرى منذ فترة طويلة جداً دوناً عن أخبار الصراعات وتزعزع الاستقرار الذي تقوده وتموله بشكل مُباشر أو غير مباشر دول عديدة مُشاركة في هذا المونديال أو سواه من الفعاليات العالمية التي تحمل راية الحداثة والتقدم. 

 

فرغم القدرات الكامنة الرياضية للشباب والشابات السوريين، لكنها لا تظهر أمام الواقع السياسي المُتردي للبلاد في ظل النظام الحالي، بل تتحول مُنافسات الفرق الرياضية لحالات انقسام مناطقية أو حزبية يستخدمها النظام الشمولي لترسيخ الانقسام المجتمعي للاستفادة منه في تمكين حكم يقوم على تدمير الهوية التعددية، وهو ما فشلت به هذه المنظومة رغم مرور عقود على سيطرتها على سوريا. وتتحول موارد هذا القطاع الهام لجيوب الفساد عوضاً عن تنمية المهارات وتطوير البُنى التحتية اللازمة لنهوضها، وتنتقل كرة الإدارة بين أقدام أصحاب الواسطات والمُحابين لدائرة السلطة عوضاً عن أيدي نظيفة لأصحاب الكفاءات المُتمكنين وقد يقود فتح هذا الملف وتقديم شهادات المهنيين حوله الى تحرير كلمة آلاف من الشهود والتوثيق وتبقى النتيجة واضحة لأعين الجميع.  

 

فالفرق الرياضية السورية اليوم نادراً ما تستطيع تجاوز المراحل الأولى للمنافسات، وذلك أمر بديهي في ظل نهب وسرقة موارد نواديهم واستغلالها سياسياً، وأسماء الرياضيين السوريين يُزج بها في حروب لا ناقة لهم بها ولا جمل وانحصر تداول المُنجزات على محاولات اللاجئين للنجاة سباحة في المتوسط، أو النجاة عبر عبور الحدود والغابات سيراً على الأقدام حتى أن أطفال في مخيمات سورية نُظم لهم مونديال محلي، وليس ذلك بالأمر السيء للغاية بكل تأكيد، لكنهم كسواهم من أطفال العالم يحق لهم رفع راية لمنتخب بلادهم والافتخار به وتناول أسماء أبطال وبطلات الرياضة ليس كشُهداء ولا كناجين بل كأشخاص أسوياء يحملون راية ورسالة بهدف تتاليها فيما بين الأجيال. 

 

فإلى متى سيقبل السوريون بهذا الانحراف في ميزان المنطقة وبكونهم يحملون وزر صراعات دول أُخرى تُلقى على عاتقهم دون ان يكون لهم بها يد، في حين تنمو هذه الدول التي تسعى لقتل سوريا بشكل مباشر أو غير مباشر، لا بل وتحتجز الصوت السوري بمسمى كيانات ومنظومات سياسية بائدة، ومن ثم تتباهى بتقديم الُمساعدات، المُسماة إنسانية، لأطفال سوريا في مخيمات وممرات ودول لجوء. 

 

بأطرها الثلاث القائمة اليوم، النظام ومحوري المعارضة، تُشكل هذه المنظومة محاولة لوأد نهوض دولة سورية مستقلة ذات هوية وطابع وسيادة وهو أمر بات بعيد المنال عنهم، فقد تكشف للسوريين، بشكل خاص وللعالم بشكل أعم، النواتج الكارثية لهذه المحاور وعدم امكانيتهم على حفظ الأمن والاستقرار المحليين والعالميين ولعل ذلك يشكل أهم عوامل انتهاء هذا التردي في المنطقة.

 

ختاماً يبقى لمُتابعي هذه الفعاليات الرياضية، وجميع الفعاليات العالمية الأُخرى، من السوريين أن لا ينفكوا عن التفكير بموقع بلادهم المُستحق وبمكانتها المستحقة ومكانة الكفاءات الرياضية والعلمية والمهنية من جميع الشرائح في رُكب تقدم الإنسانية، لاستعادة دورهم بحمل الراية والشعلة وتتاليها بين الأجيال كدولة ذات سيادة وهوية وأن لا يقبلوا بوسم بلادهم بالإجرام والتعذيب والانتهاكات والكراهية والظلم، فالحياة مَنحت الشعوب الوجود بتنوع وثقافة رائدين ولا يحق لأي جهة استلابهم ولا تجاهلهم ولا ادراجهم قسراً تحت هويات أضيق من رحابة الهوية الإنسانية.

 

 

Download
اضاءة على الأفكار الرئيسية الواردة في مقال سأبدأ من حيث انتهى مونديال قطر. د. سميرة مبيض
للاستماع للمقال د. سميرة مبيض .mp3
MP3 Audio File 3.5 MB