الى متى يتحمل السوريون تشويه هويتهم بسبب النظام والمعارضة

 

د. سميرة مبيض

٢٤ شباط ٢٠٢٣

عقود طويلة، تم عبرها تدمير ممنهج للمجتمع السوري تحت حكم منظومة شمولية مُنتجة للإرهاب ومُصنعة له، فُرضت على السوريين قسراً، خربت بلادهم واقتصادهم ودمرت التعليم والمنظومة القيمية، واستخدمت كافة الوسائل الإعلامية والاستخباراتية لوأد أي نهوض بالمجتمع وكرست رجال دين ومؤسسات دينية للتجهيل والتجميد والتقهقر ولقتل الابداع ونهبت الإرث الحضاري ودمرته وحولته لبازار اقتصادي وسياحي، ودمرت الإرث البيئي والمحيط الطبيعي ونهبت الموارد وكرست امكانياتها لما يزيد عن نصف قرن لقتل الهوية المتنوعة الحضارية ولتصنيع نموذج همجي على صورة هذه السلطة وكمثالها. فتحمل الشعب السوري الاجرام الذي حل به من جهة وتشويه هويته من جهة أُخرى وأُبعدت سوريا عبر الزمن عن أي دور حضاري واقتصادي وعلمي وثقافي في المنطقة والعالم هذا هو نظام الأسد منذ السبعينيات الى اليوم.

 وما أن نهض السوريون بثورة نابذة لهذا التردي وطالبوا بحقوق أساسية ومشروعة لأي انسان، حتى تم التغول على ثورتهم وحرفها عن مسارها الى غياهب التطرف والصراع البيني والفساد والترهيب وغير ذلك من موبقات لا تعد ولا تحصى، وفُرضت على السوريين مُعارضة ناتجة من هذا الانحراف على صورة النظام كمثاله، بل هي امتداد ومصب له فلم يختر السوريين نظامهم ولم يختاروا المُعارضة ولا تمثيل الثورة.

 

رغم هذا كله، نجد من يصر على وسم الهوية السورية بصفات وأفعال منظومة لا تمت للشعب بصلة ولم يعترف بها ولم ينتخبها حتى بات تشويه الهوية السورية عمل متعمد لم يعد ممكناً اغفال النظر عن خطورته أو الصمت تجاهه، فالتوصيف للمعارضة والنظام ليس توصيفاً للشعب السوري ومن لا يحدد مركز الاجرام فهو متقصد متعمد لإهانة شعب عانى طويلاً وأكثر من تحمل نتائج السياسات الخاطئة التي فُرضت على المنطقة بعد الحروب العالمية، فلنكن علميين، فلنكن منصفين فلنقرأ التاريخ كما يجب ولا تُرمى التهم جزافاً على كل منبر وموقع فهي لا تسيء الا لقائليها.

 

ومن آخر الاتهامات التي وُجهت للسوريين القائمين بثورة حق لا لبس في مشروعيتها، بأنهم ضعفاء، وغير مؤهلين، وتنازعوا على تقاسم الأموال وعلى الفنادق والدعوات، سواء عبر المنابر تلفزيونية أو غيرها من وسائل التشويه، وهي اتهامات تصلح لتوجيهها لشخوص المُعارضة، الذين لم نخترهم ولا توجه للسوريين، على الأخص من جهات ساعية للتطبيع مع نظام مجرم بحق الإنسانية وبحق جميع الشرائع القيمية، لا داعي لتبرير التطبيع بتوجيه الاتهامات جزافاً للشعب السوري، على كل من يطبع معه أن يصمت خجلاً من دموع النساء والأطفال ويتوارى من سوء ما سيحمل من وزر الدماء والمعاناة وحسب. 

أما نحن فنحتفظ بكلمة حق ولا نمد أيدينا لمن تجاوزت انتهاكاته كل رادع وكل حس سوي سليم ولا نسمح بوسم هويتنا بصفات نظام ومعارضة أنتجتهما منظومة واحدة مُخلّة بالأمن والاستقرار، منظومة بائدة في ظل تطور الإنسانية وتقدم البشرية الحتمي. 

 

أما عن ضحايانا، فهم لنا سراج ينير المُسار، وأما عن ثقافتنا، فعربية وكردية وسريانية وأرمنية وشركسية وتركمانية طالما تحترم الحق ولا تهين كرامة انسان وأما عن شرائعنا فمسلمة ومسيحية ويهودية ويزيدية وقيمية إنسانية ومن أي مورد طالما تسعى لارتقاء الانسان، وأما عن مجتمعاتنا فحضرية وقروية وبدوية وعشائرية وكل ما يخلق محيطاً آمناً قابلاً للحياة المستدامة، هذا نحن وهذه سوريا واحترام هوية شعبها فوق كل براغماتية سياسية، لأنها مُستحقة وثابتة رغم عقود التقهقر، فقد لبثت بذور الحياة في أرضها، تنمو وتتجدد وتفرض قوانين النهوض والتقدم ضمن مسار عالمي حتمي نابذ للإجرام والهمجية ولنا به بوصلة لن تحيد.