تناقض مؤتمر بروكسل، حين تستنجد آلة القتل العسكرية لنظام الأسد بآلية الحماية المدنية.

د. سميرة مبيض

٥ آذار ٢٠٢٣ 

يعتبر مؤتمر المانحين السنوي الذي يُعقد في بروكسل، منذ سنوات خلت، المدخل الرئيسي لتبرعات المساعدات المخصصة لسوريا على خلفية الصراع المُسلح القائم ضمنها حيث تشير الأرقام الصادرة عن مؤتمرات بروكسل السابقة الى تبرعات عالية بلغت بمجملها في المؤتمرات الست السابقة ما يُقارب ٣٤ مليار دولار إضافة الى ما يُعرف بالقروض المُيسرة التي تمنح في السياق ذاته. وتجدر الإشارة الى أن هذا المؤتمر، انتقل منذ العام الماضي من رعاية الأمم المتحدة الى رعاية الاتحاد الأوروبي وذلك على خلفية الصراع القائم في أوكرانيا.

 

منذ نسخته الأولى يطرح مؤتمر بروكسل تساؤلات كبيرة ومُحقة على الصعيد السوري وبشكل خاص حول غياب أي رقابة سورية حول آلية واستحقاقية توزيع المُساعدات، ومن ثم حول غياب أي مراجعة تقييمية فعلية للمنح الواردة ضمنه ولجدواها وأثرها على رفع معاناة الشعب السوري بشكل مستدام وفاعل.

تُضاف لهذه الضبابية اليوم كارثة الزلزال الحدودي بين سوريا وتركيا والتي يتم استخدامها من قبل نظام الأسد لتحقيق أمرين: الأول هو إعادة تدوير نفسه سياسياً وذلك بالتواطؤ مع نظم أخرى في المنطقة، والثاني هو مساعيه لسلب مستحقات السوريين المتضررين من هذه الكارثة الطبيعية ويعد مؤتمر بروكسل القادم مسرحاً لتحقيق هذه المساعي، فيتوجب في هذا السياق الإضاءة على النقاط التالية لمنع استغلال كارثة الزلزال من قبل النظام.  

 

·      آلة قتل عسكرية لنظام الأسد تستنجد بآلية الحماية المدنية في الاتحاد الأوربي

 

يدخل النظام لمؤتمر بروكسل عبر بند محدد هو مطلبه لتفعيل ما يُعرف بآلية الحماية المدنية في الاتحاد الأوربي، وهي آلية تم تأسيسها في عام ٢٠٠١ وتهدف بشكل رئيسي لخلق حالة من التعاون بمواجهة الكوارث، وقد تم تفعيلها فعلاً بمواجهة حالات زلازل أو حرائق في الغابات أو حالة الجائحة الوبائية وغيرها من الكوارث، لكن في الحالة الاستثنائية لسوريا فان من يُطالب بتفعيل آلية الحماية المدنية هي منظومة عسكرية، متهمة بارتكاب جرائم حرب وبانتهاكات ضد الإنسانية وباستخدام أسلحة محرمة دولياً، جهة تم توثيق مجازر جماعية قامت بها وتم توثيق حالات تعذيب واعتقال تعسفي في معتقلاتها وغير ذلك مما تمتلكه الجهات الدولية من وثائق لا تسمح بأي حال من الأحوال بمنح نظام الأسد حق تفعيل آلية الحماية المدنية فهو غير مؤهل بالمطلق لتطبيق وتنفيذ مجريات هذه الآلية على الأراضي السورية، فهل يكمن الخلل في السماح له أساساً بتقديم طلب في هذا الاتجاه، أو يكمن الخلل بإمكانية قبول مثل هذا الطلب من قبل الاتحاد الأوروبي، في جميع الأحوال فالخلل قائم ويتوجب العمل على ابطال أحقية أي نظام عسكري، متهم بجرائم حرب، بتنفيذ آلية الحماية  المدنية للشعب السوري. 

إضافة لهذا الخلل فان مساحة واسعة من المناطق المتضررة من الزلزال تقع خارج مناطق سيطرة النظام وهي بالتالي لن تستفيد مما سيتم تطبيقه عبر آلية الحماية المدنية المنشودة، بل ستطبق ضمنها عبر دول أخرى تهيمن على هذه المناطق وبشكل خاص تركيا في الشمال السوري المنكوب عبر الكارثة الطبيعية وما قبلها عبر سنوات الحرب والتدمير ويقودنا ذلك لتناول النقطة الثانية في هذا الإطار وهي مواقف دول الجوار المُستفيدة من المُساعدات. 

 

·      مواقف غير سوية لدول الجوار المُستفيدة من المُساعدات 

 

توجه نسبة عالية من هذه المبالغ الى دول الجوار السوري، لقاء وجود اللاجئين السوريين على أراضيها، لإدارة ملف اللجوء والمخيمات ويمكننا الإضاءة في هذه السياق على ثلاث توجهات، الأول هو العنصرية وعدم الاستقرار التي يعاني منها اللاجئ السوري والثاني هو غياب الشفافية والثالث هو التطبيع مع النظام.

فرغم المساعدات المُقدمة لسنوات لهذه الدول الا أنها لم تتح للاجئين ضمنها فرص عمل مُستدامة واستقرار كامل بل ذهب جزء يسير من التبرعات في مساعدات آنية لا تضمن تحقيق أمن اللاجئين ولا استقرارهم واضافة الى ذلك يتصاعد بشكل مطرد التصعيد العنصري ضد اللاجئ السوري وتوجه الاتهامات له بكونه عبء على الحكومات في دول الجوار وفي دول الشتات على حد سواء ويُضاف الى ذلك غياب كامل للشفافية في كيفية استخدام هذه الموارد المالية المُخصصة للسوريين فلم تصرح أي من الأطراف الممنوحة عن ذلك ولا يوجد بين أيدي السوريين أي تقارير مالية حول مآل هذه المنح بعد دخولها لصناديق دول اللجوء. في الحين ذاته فقد ساهمت هذه الجهات ذاتها في عمليات التسليح ودعم الفصائل والميليشيات والتيارات التي حرفت ثورة السوريين عن أهدافها وساهمت في تفاقم معاناة السوريين ولم تعمل على بناء حل مستدام مما يقودنا للنقطة الثالثة والأخيرة في هذا التأطير حول مؤتمر بروكسل القادم.

 

·      غياب الحل المُستدام

 

تعتبر كارثة الزلزال واحدة من الكوارث التي أصابت السوريين يُضاف لها عقد من الصراع المسلح، ويضاف لها تواجد قوى ترهيبية وفصائل مسلحة وميليشيات منفلتة تهدد أمن المواطنين في جميع أنحاء البلاد، يضاف لذلك بمجمله تواجد جيوش متصارعة بالوكالة على الأراضي السورية، إضافة الى إمكانية تعرض المنطقة لحالات من الجفاف والتدهور البيئي نتيجة للتغيرات المناخية أو للجائحات الوبائية أو غيرها من الكوارث الطبيعية التي تتطلب وجود دولة قادرة على إدارة المؤسسات وحماية المواطنين ومواجهة الازمات وذلك ليس حال نظام الأسد بل هو يستخدم هذه الأزمات لتعزيز الحالة السلطوية وتفقير المجتمع وزيادة معاناته مما ينعكس سلباً على حالة الامن والاستقرار في المنطقة برمتها وفي العالم، فالحل المستدام لا يمر عبر مؤتمرات المساعدات الإنسانية ولا يرتبط بعدد الخيام والسلال الغذائية التي مهما زادت لا تعوض عن استقرار السوري في ارضه وبيته ورزقه فالحل الإنساني يتطلب بالضرورة تنفيذ الحل السياسي والذي يتطلب بالدرجة الأولى قرار انهاء المنظومة الفاشلة القائمة اليوم ووقف تأثيرها الكارثي والتوجه لوضع دستور مؤسس للدولة السورية الحديثة وليس لإعادة اجترار الأطر السابقة المُنتجة لهذا الخراب.

 

بعض المطالب العملية المشروعة: 

يدفعنا ذلك بمجمله الى تقديم مطالب سوريّة مشروعة وملحة حول مؤتمر بروكسل، قبل التوغل بربط مصير المتضررين من اللاجئين السوريين ومن متضرري الزلزال، ممن هُجروا قسرياً واضطروا للتخلي عن أرضهم وأملاكهم وأرزاقهم، بهذا المؤتمر وبمنتجاته وبالجهات التي ستعمل على تنفيذ آلياته من نظام ودول مهيمنة على قرار المعارضة السورية:

1.     المطالبة بمنع استخدام نظام الأسد لما يُعرف بآلية الحماية المدنية استناداً على القضايا القائمة في الاتحاد الأوروبي ضده نتيجة لجرائمه ضد المدنيين والعزل.

2.     وضع شروط لإلزام أي دولة مُستفيدة من هذه الإعانات باستخدامها في تحقيق الاستقرار المُستدام والأمن للسوريين سواء عبر تأمين السكن أو العمل أو التعليم أو غيرها من شروط الحياة الأساسية وحمايتهم من العنصرية والاستغلال والاساءات والمطالبة بحجب أي اعانات عن الدول التي لا تلتزم بهذه الشروط.

3.     وضع شروط لإلزام أي دولة مُستفيدة من هذه الإعانات بتبني موقف واضح داعم للتغيير السياسي في سوريا وعدم التطبيع مع جهات ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، والمطالبة بحجب أي اعانات عن الدول التي لا تلتزم بهذه الشروط.

4.     المُطالبة بإنشاء هيئة سورية مستقلة غير حكومية تعمل على إيصال المُساعدات بشكل مباشر للسوريين المتضررين على أراضي الدول التي لا تلتزم بالشروط الواردة في البند ٢و٣.

5.     المطالبة بتقديم تقارير شفافية مالية حول المؤتمرات السابقة من قبل الجهات المُنظمة وتقارير شفافية مالية حول آلية استخدام المنح والجهات المتصرفة بها من قبل كافة الدول التي استلمت اعانات عن اللاجئين السوريين في السنوات السابقة، وتأسيس لجنة رقابة سورية مهنية وحيادية غير تابعة لأطراف النظام أو المعارضة لرصد ومتابعة جميع تقارير الشفافية المالية واتخاذ الإجراءات اللازمة حولها لتطبيق مصالح السوريين.

 

 

 

ختاماً، يبقى الحل السياسي والتغيير الجذري في سوريا هو الهدف الرئيسي الذي سيسمح بنهوض البلاد وبناء دولة قادرة على حماية مواطنيها وعلى التصدي لتحديات المستقبل وعلى دعم التوجهات الإنسانية الساعية للتقدم والتطور، وهي البوصلة فمهما اشتدت الزلازل ستبقى حالة مؤقتة أمام مسار الشعوب وأمام ضرورة تحقيق الاستقرار المستدام فلا تخلي عن هذا الهدف.